للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اعْتِدَاءَهُ عَلَى نَاقَةٍ مِنْ إِبِلِ أَبِيهِ فِي حَالِ سُكْرِهِ:

فَمَرَّتْ كَهَاةٌ ذَاتُ خَيْفٍ جُلَالَةٌ ... عَقِيلَةُ شَيْخٍ كَالْوَبِيلِ يَلَنْدَدِ

يَقُولُ وَقَدْ تَرَ الْوَظِيفَ وَسَاقَهَا ... أَلَسْتَ تَرَى أَنْ قَدْ أَتَيْتَ بِمُؤْيِدِ

وَقَالَ أَلَا مَاذَا تَرَوْنَ بِشَارِبٍ ... شَدِيدٍ عَلَيْنَا بَغْيُهُ مُتَعَمِّدِ

فَلَا جَرَمَ أَنْ كَانَ الْمَيْسِرُ أَيْسَرَ عَلَيْهِمْ لِاقْتِنَاءِ اللَّحْمِ لِلشُّرْبِ وَلِذَلِكَ كَثُرَ فِي كَلَامِهِمْ قَرْنُهُ بِالشُّرْبِ، قَالَ سَبْرَةُ بْنُ عَمْرٍو الْفَقْعَسِيُّ يَذْكُرُ الْإِبِلَ:

نُحَابِي بِهَا أَكْفَاءَنَا وَنُهِينُهَا ... وَنَشْرَبُ فِي أَثْمَانِهَا وَنُقَامِرُ

وَذَكَرَ لَبِيدٌ الْخَمْرَ ثُمَّ ذَكَرَ الْمَيْسِرَ فِي مُعَلَّقَتِهِ فَقَالَ:

أُغْلِي السِّبَاءَ بِكُلِّ أَدْكَنَ عَاتِقِ ... أَوْ جَوْنَةٍ قُدِحَتْ وَفُضَّ خِتَامُهَا

ثُمَّ قَالَ:

وَجَزُورِ أَيْسَارٍ دَعَوْتُ لِحَتْفِهَا ... بِمَغَالِقٍ مُتَشَابِهٍ أَجْسَامُهَا

وَذَكَرَهُمَا عَنْتَرَةُ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَقَالَ يَذْكُرُ مَحَاسِنَ قِرْنِهِ الَّذِي صَرَعَهُ فِي الْحَرْبِ:

رَبِذٍ يَدَاهُ بِالْقِدَاحِ إِذَا شَتَا ... هَتَّاكِ غَايَاتِ التِّجَارِ مُلَوَّمِ

فَلِأَجْلِ هَذَا قُرِنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ذِكْرُ الْخَمْرِ بِذِكْرِ الْمَيْسِرِ، وَلِأَجْلِهِ اقْتَرَنَا فِي سُؤَالِ السَّائِلِينَ عَنْهُمَا إِنْ كَانَ ثَمَّةَ سُؤَالٌ.

وَالْمَيْسِرُ: اسْمُ جِنْسٍ عَلَى وَزْنِ مَفْعِلٍ مُشْتَقّ من الْيُسْر، وَهُوَ ضِدُّ الْعُسْرِ وَالشِّدَّةِ، أَوْ مِنَ الْيَسَارِ وَهُوَ ضِدُّ الْإِعْسَارِ، كَأَنَّهُمْ صَاغُوهُ عَلَى هَذَا الْوَزْنِ مُرَاعَاةً لِزِنَةِ اسْمِ الْمَكَانِ مِنْ يَسَرَ يَيْسِرُ وَهُوَ مَكَانٌ مَجَازِيٌّ جَعَلُوا ذَلِكَ التَّقَامُرَ بِمَنْزِلَةِ الظَّرْفِ الَّذِي فِيهِ الْيَسَارُ أَوِ الْيُسْرُ، لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى رَفَاهَةِ الْعَيْشِ وَإِزَالَةِ صُعُوبَةِ زَمَنِ الْمَحَلِّ وَكَلَبِ الشِّتَاءِ، وَقَالَ صَاحِبُ

«الْكَشَّافِ» : هُوَ مَصْدَرٌ كَالْمَوْعِدِ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَصْدَرًا لَكَانَ مَفْتُوحَ السِّينِ إِذِ الْمَصْدَرُ الَّذِي عَلَى وَزْنِ الْمَفْعَلِ لَا يَكُونُ إِلَّا مَفْتُوحَ الْعَيْنِ مَا عَدَا مَا شَذَّ، وَلَمْ يَذْكُرُوا الْمَيْسِرَ فِي الشَّاذِّ، إِلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْعَرَبَ وَضَعُوا هَذَا الِاسْمَ عَلَى وَزْنِ الْمَصْدَرِ الشَّاذِّ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ الْآنَ لَيْسَ بِمَصْدَرٍ.

وَالْمَيْسِرُ: قِمَارٌ كَانَ لِلْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُوَ مِنِ الْقِمَارِ الْقَدِيمِ الْمُتَوَغِّلِ فِي الْقِدَمِ كَانَ لِعَادٍ مِنْ قَبْلُ، وَأَوَّلُ مَنْ وَرَدَ ذِكْرُ لَعِبِ الْمَيْسِرِ عَنْهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هُوَ لُقْمَانُ بْنُ عَادٍ وَيُقَالُ