للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمُؤَاخَذَةُ بِالْيَمِينِ هِيَ الْإِلْزَامُ بِالْوَفَاءِ بِهَا وَعَدَمُ الْحِنْثِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَأْثَمَ إِذَا وَقَعَ الْحِنْثُ، إِلَّا مَا أَذِنَ اللَّهُ فِي كَفَّارَتِهِ، كَمَا فِي آيَةِ سُورَةِ الْعُقُودِ.

وَاللَّغْوُ مَصْدَرُ لَغَا إِذَا قَالَ كلَاما خطئا، يُقَالُ: لَغَا يَلْغُو لَغوا كسعا، وَلَغَا يَلْغَى لَغْيًا كَسَعَى. وَلُغَةُ الْقُرْآنِ بِالْوَاوِ. وَفِي «اللِّسَانِ» : «أَنَّهُ لَا نَظِيرَ لَهُ إِلَّا قَوْلُهُمْ أَسَوْتُهُ أَسْوًا وَأَسًى أَصْلَحْتُهُ» وَفِي الْكَوَاشِي: «وَلَغَا يَلْغُو لَغْوًا قَالَ بَاطِلًا» ، وَيُطْلَقُ اللَّغْوُ أَيْضًا عَلَى الْكَلَامِ السَّاقِطِ، الَّذِي لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَهُوَ الْخَطَأُ، وَهُوَ إِطْلَاقٌ شَائِعٌ. وَقَدِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي «الْأَسَاسِ» وَلَمْ يَجْعَلْهُ مَجَازًا وَاقْتَصَرَ عَلَى التَّفْسِيرِ بِهِ فِي «الْكَشَّافِ» وَتَبِعَهُ مُتَابِعُوهُ.

وَ (فِي) لِلظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ الْمُرَادُ بِهَا الْمُلَابَسَةُ، وَهِيَ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ، صِفَةُ اللَّغْوِ أَوْ حَالٌ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ قَدَّرَهُ الْكَوَاشِيُّ فَيَكُونُ الْمَعْنَى عَلَى جَعْلِ اللَّغْوِ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ:

لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِأَنْ تَلْغُوَا لَغْوًا مُلَابِسًا لِلْأَيْمَانِ، أَيْ لَا يُؤَاخِذُكُمْ بِالْأَيْمَانِ الصَّادِرَةِ صُدُورَ اللَّغْوِ، أَيْ غَيْرِ الْمَقْصُودِ مِنَ الْقَوْلِ. فَإِذَا جَعَلْتَ اللَّغْوَ اسْمًا بِمَعْنَى الْكَلَامِ السَّاقِطِ الْخَاطِئِ، لَمْ تَصِحَّ ظَرْفِيَّتُهُ فِي الْأَيْمَانِ، لِأَنَّهُ مِنَ الْأَيْمَانِ، فَالظَّرْفِيَّةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِيُؤَاخِذُكُمْ، وَالْمَعْنَى لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ فِي أَيْمَانِكُمْ بِاللَّغْوِ، أَيْ لَا يُؤَاخِذُكُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْمَانِكُمْ بِالْيَمِينِ اللَّغْوِ.

وَالْأَيْمَانُ جَمْعُ يَمِينٍ، وَالْيَمِينُ الْقَسَمُ وَالْحَلِفُ، وَهُوَ ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ بَعْضِ صِفَاتِهِ، أَو بعض شؤونه الْعُلْيَا أَوْ شَعَائِرِهِ. فَقَدْ كَانَتِ الْعَرَبُ تَحْلِفُ بِاللَّهِ، وَبِرَبِّ الْكَعْبَةِ، وَبِالْهَدْيِ، وَبِمَنَاسِكِ الْحَجِّ. وَالْقَسَمُ عِنْدَهُمْ بِحَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الْقَسَمِ الثَّلَاثَةِ: الْوَاوُ وَالْبَاءُ وَالتَّاءُ، وَرُبَّمَا ذَكَرُوا لَفْظَ حَلَفْتُ أَوْ أَقْسَمْتُ، وَرُبَّمَا حَلَفُوا بِدِمَاءِ الْبُدْنِ، وَرُبَّمَا قَالُوا وَالدِّمَاءِ، وَقَدْ يُدْخِلُونَ لَامًا عَلَى عَمْرِ اللَّهِ، يُقَالُ: لَعَمْرُ اللَّهِ، وَيَقُولُونَ: عَمَرَكَ اللَّهُ، وَلَمْ أَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَحْلِفُونَ بِأَسْمَاءِ الْأَصْنَامِ. فَهَذَا الْحَلِفُ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الْتِزَامُ فِعْلٍ، أَوْ بَرَاءَةٌ مِنْ حَقٍّ. وَقَدْ يَحْلِفُونَ بِأَشْيَاءَ عَزِيزَةٍ عِنْدَهُمْ لِقَصْدِ تَأْكِيدِ الْخَبَرِ أَوِ الِالْتِزَامِ، كَقَوْلِهِمْ وَأَبِيكَ وَلَعَمْرُكَ وَلَعَمْرِي، وَيَحْلِفُونَ بِآبَائِهِمْ، وَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ نَهَى عَنِ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ. وَمِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ فِي الْقَسَمِ أَنَّ بَعْضَ الْقَسَمِ يُقْسِمُونَ بِهِ عَلَى الْتِزَامِ فِعْلٍ يَفْعَلُهُ الْمُقْسِمُ لِيُلْجِئَ نَفْسَهُ إِلَى عَمَلِهِ وَلَا يَنْدَمَ عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ قَسَمِ النَّذْرِ، فَإِذَا أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يُظْهِرَ عَزْمَهُ عَلَى

فِعْلٍ لَا مَحَالَةَ مِنْهُ، وَلَا مَطْمَعَ لِأَحَدٍ فِي صَرْفِهِ عَنْهُ، أَكَّدَهُ بِالْقَسَمِ، قَالَ بِلِعَاءُ بْنُ قَيْسٍ: