وَوَجْهُ تَفْسِيرِهِ هَذَا بِقَوْلِهِ: «لِأَنَّهُ إِذَا وُجِدَ الْعَضْلُ بَيْنَهُمْ وَهُمْ رَاضُونَ كَانُوا فِي حُكْمِ الْعَاضِلِينَ» .
وَالْعَضْلُ: الْمَنْعُ وَالْحَبْسُ وَعَدَمُ الِانْتِقَالِ، فَمِنْهُ عَضَّلَتِ الْمَرْأَةُ بِالتَّشْدِيدِ إِذَا عَسَرَتْ وِلَادَتُهَا وَعَضَّلَتِ الدَّجَاجَةُ إِذَا نَشِبَ بَيْضُهَا فَلَمْ يَخْرُجْ، وَالْمُعَاضَلَةُ فِي الْكَلَامِ: احْتِبَاسُ الْمَعْنَى حَتَّى لَا يَبْدُوَ مِنَ الْأَلْفَاظِ، وَهُوَ التَّعْقِيدُ، وَشَاعَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فِي مَنْعِ الْوَلِيِّ مَوْلَاتَهُ مِنَ النِّكَاحِ. وَفِي الشَّرْعِ هُوَ الْمَنْعُ بِدُونِ وَجْهِ صَلَاحٍ، فَالْأَبُ لَا يُعَدُّ عَاضِلًا بِرَدِّ كُفْءٍ أَوِ اثْنَيْنِ، وَغَيْرُ الْأَبِ يُعَدُّ عَاضِلًا بِرَدِّ كُفْءٍ وَاحِدٍ.
وَإِسْنَادُ النِّكَاحِ إِلَى النِّسَاءِ هُنَا لِأَنَّهُ هُوَ الْمَعْضُولُ عَنْهُ، وَالْمرَاد بأزواجهن طالبو
الْمُرَاجَعَةَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَسَمَّاهُنَّ أَزْوَاجًا مَجَازًا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ، لِقُرْبِ تِلْكَ الْحَالَةِ، وَلِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الْمَنْعَ ظُلْمٌ فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَزْوَاجًا لَهُنَّ مِنْ قَبْلُ، فَهُمْ أَحَق بِأَن يرجّهن إِلَيْهِمْ.
وَقَوْلُهُ: إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ شَرْطٌ لِلنَّهْيِ، لِأَنَّ الْوَلِيَّ إِذَا عَلِمَ عَدَمَ التَّرَاضِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَرَأَى أَنَّ الْمُرَاجَعَةَ سَتَعُودُ إِلَى دَخَلٍ وَفَسَادٍ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَوْلَاتَهُ نُصْحًا لَهَا، وَفِي هَذَا الشَّرْطِ إِيمَاءٌ إِلَى عِلَّةِ النَّهْيِ: وَهِيَ أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يَحِقُّ لَهُ مَنْعُهَا مَعَ تَرَاضِي الزَّوْجَيْنِ بِعَوْدِ الْمُعَاشَرَةِ، إِذْ لَا يَكُونُ الْوَلِيُّ أَدْرَى بِمَيْلِهَا مِنْهَا، عَلَى حَدِّ قَوْلِهِمْ فِي الْمَثَلِ الْمَشْهُورِ «رَضِيَ الْخَصْمَانِ وَلَمْ يَرْضَ الْقَاضِي» .
وَفِي الْآيَةِ إِشَارَةٌ إِلَى اعْتِبَارِ الْوِلَايَةَ لِلْمَرْأَةِ فِي النِّكَاحِ بِنَاءً عَلَى غَالِبِ الْأَحْوَالِ يَوْمَئِذٍ لِأَنَّ جَانِبَ الْمَرْأَةِ جَانِبٌ ضَعِيفٌ مَطْمُوعٌ فِيهِ، مَعْصُومٌ عَنِ الِامْتِهَانِ، فَلَا يَلِيقُ تَرْكُهَا تَتَوَلَّى مِثْلَ هَذَا الْأَمْرِ بِنَفْسِهَا لِأَنَّهُ يُنَافِي نَفَاسَتِهَا وَضَعْفِهَا، فَقَدْ يَسْتَخِفُّ بِحُقُوقِهَا الرِّجَالُ، حِرْصًا عَلَى مَنَافِعِهِمْ وَهِيَ تَضْعُفُ عَنِ الْمُعَارَضَةِ.
وَوَجْهُ الْإِشَارَةِ: أَنَّ اللَّهَ أَشَارَ إِلَى حَقَّيْنِ: حَقِّ الْوَلِيِّ بِالنَّهْيِ عَنِ الْعَضْلِ إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ بِيَدِهِ لَمَا نَهَى عَنْ مَنْعِهِ، وَلَا يُقَالُ: نَهَى عَنِ اسْتِعْمَالِ مَا لَيْسَ بِحَقٍّ لَهُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ النَّهْيُ عَنِ الْبَغْيِ وَالْعُدْوَانِ كَافِيًا، وَلَجِيءَ بِصِيغَةِ: مَا يَكُونُ لَكُمْ وَنَحْوِهَا وَحَقِّ الْمَرْأَةِ فِي الرِّضَا وَلِأَجْلِهِ أَسْنَدَ اللَّهُ النِّكَاحَ إِلَى ضَمِيرِ النِّسَاءِ، وَلَمْ يَقُلْ: أَنْ تُنْكِحُوهُنَّ أَزْوَاجَهُنَّ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ فُقَهَاءِ الْإِسْلَامِ، وَشَذَّ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ فَلَمْ يَشْتَرِطِ الْوِلَايَةَ فِي النِّكَاحِ، وَاحْتَجَّ لَهُ الْجَصَّاصُ بِأَنَّ اللَّهَ أَسْنَدَ النِّكَاحَ هُنَا لِلنِّسَاءِ وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ بَعِيدٌ اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ فِي قَوْلِهِمْ: نَكَحَتِ الْمَرْأَةُ، فَإِنَّهُ بِمَعْنَى تَزَوَّجَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute