للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنْ قَوْلِهِ: لَا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها كَمَا سَيَأْتِي، وَهُوَ بَعِيدٌ عَنِ الِاسْتِعْمَالِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْفَاعِلُ مَحْذُوفًا وَحُكْمُ الْفِعْلِ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ كَمَا هُوَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ عُلِمَ أَنَّ جَمِيعَ الْإِضْرَارِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ أَيًّا مَا كَانَ فَاعِلُهُ، عَلَى أَنَّ الْإِضْرَارَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَا يَحْسُنُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ بِلَفْظِ عَلَى الَّذِي هُوَ مِنْ صِيَغِ الْإِلْزَامِ وَالْإِيجَابِ، عَلَى أَنَّ ظَاهِرَ الْمَثَلِ إِنَّمَا يَنْصَرِفُ لِمُمَاثَلَةِ الذَّوَاتِ وَهِيَ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ لَا لِمُمَاثَلَةِ الْحُكْمِ وَهُوَ التَّحْرِيمُ.

وَقَدْ عُلِمَ مِنْ تَسْمِيَةِ الْمَفْرُوضِ عَلَيْهِ الْإِنْفَاق وَالْكِسْوَة وَارِثا أَنَّ الَّذِي كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ مَاتَ، وَهَذَا إِيجَازٌ. وَالْمَعْنَى: فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلُودُ لَهُ فَعَلَى وَارِثِهِ مِثْلُ مَا كَانَ عَلَيْهِ فَإِنَّ عَلَى الْوَاقِعَةَ بَعْدَ حَرْفِ الْعَطْفِ هُنَا ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّهَا مِثْلُ عَلَى الَّتِي فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ.

فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ وَارِثُ الْأَبِ وَتَكُونُ الْ عِوَضًا عَن الْمُضَاف إِلَيْهِ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي دُخُولِ الْ عَلَى اسْمٍ غَيْرِ مَعْهُودٍ وَلَا مَقْصُودٍ جِنْسُهُ وَكَانَ ذَلِكَ الِاسْمُ مَذْكُورًا بَعْدَ اسْمٍ يَصْلُحُ لِأَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ [العلق: ١٥] وَكَمَا قَالَ: وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى [النازعات:

٤٠- ٤١] أَيْ نَهَى نَفْسَهُ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ مَأْوَاهُ، وَقَوْلِ إِحْدَى نِسَاءِ حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ: «زَوجي المسّ مسّ أَرْنَبٌ وَالرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ» وَمَا سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى وَارِثًا إِلَّا لِأَنَّهُ وَارِثٌ بِالْفِعْلِ لَا مَنْ يَصْلُحُ لِأَنْ يَكُونَ وَارِثًا عَلَى تَقْدِيرِ مَوْتِ غَيْرِهِ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ إِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى الْحَالِ

مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى خِلَافِهِ فَمَا قَالَ: وَعَلَى الْوارِثِ إِلَّا لِأَنَّ الْكَلَامَ عَلَى الْحَقِّ تَعْلِيقٌ بِهَذَا الشَّخْصِ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ وَإِلَّا لَقَالَ: وَعَلَى الْأَقَارِبِ أَوِ الْأَوْلِيَاءِ مِثْلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ كَلَامًا تَأْكِيدًا حِينَئِذٍ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْإِضْرَارِ الْمَذْكُورَ قَبْلَهُ لَمْ يُذْكَرْ لَهُ مُتَعَلِّقٌ خَاصٌّ فَإِنَّ فَاعِلَ تُضَارَّ مَحْذُوفٌ. وَالنَّهْيُ دَالٌّ عَلَى مَنْعِ كُلِّ إِضْرَارٍ يَحْصُلُ لِلْوَالِدَةِ فَمَا فَائِدَةُ إِعَادَةِ تَحْرِيمِ ذَلِكَ عَلَى الْوَارِثِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا.

وَاتَّفَقَ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ عَلَى أَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ غَيْرُ مُرَادٍ إِذْ لَا قَائِلَ بِوُجُوبِ نَفَقَةِ الْمُرْضِعِ عَلَى وَارِثِ الْأَبِ، سَوَاءٌ كَانَ إِيجَابُهَا عَلَى الْوَارِثِ فِي الْمَالِ الْمَوْرُوث بِأَن تكون مَبْدَأَةً عَلَى الْمَوَارِيثِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَبْدَأُ إِلَّا بِالتَّجْهِيزِ ثُمَّ الدَّيْنِ ثُمَّ الْوَصِيَّةِ، وَلِأَنَّ الرَّضِيعَ لَهُ حَظُّهُ فِي الْمَالِ الْمَوْرُوثِ وَهُوَ إِذَا صَارَ ذَا مَالٍ لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ أَمْ كَانَ إِيجَابُهَا عَلَى الْوَارِثِ لَوْ لَمْ يَسَعْهَا الْمَالُ الْمَوْرُوثُ فَيَكْمُلُ مِنْ يَدِهِ، وَلِذَلِكَ طَرَقُوا فِي هَذَا بَابَ التَّأْوِيلِ إِمَّا تَأْوِيلُ مَعْنًى الْوَارِثِ وَإِمَّا تَأْوِيلُ مَرْجِعِ الْإِشَارَةِ وَإِمَّا كِلَيْهِمَا.

فَقَالَ الْجُمْهُورُ: الْمُرَادُ وَارِثُ الطِّفْلِ أَيْ مَنْ لَوْ مَاتَ