للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حَدِيثُ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ زَوْجِ سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ، تُوُفِّيَ عَنْهَا بِمَكَّةَ عَامَ حِجَّةِ الْوَدَاعِ (١) وَهِيَ حَامِلٌ فَوَضَعَتْ حَمْلَهَا بَعْدَ نِصْفِ شَهْرٍ كَمَا

فِي «الْمُوَطَّأِ» ، أَوْ بَعْدَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهَا: «قَدْ حَلَلْتِ فَانْكِحِي إِنْ بَدَا لَكِ»

وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آيَةِ سُورَةِ الطَّلَاقِ [٤] وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَعُمُومُ (أُولَاتِ الْأَحْمَالِ) ، مَعَ تَأَخُّرِ نُزُولِ تِلْكَ السُّورَةِ عَنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ يَقْضِي بِالْمَصِيرِ إِلَى اعْتِبَارِ تَخْصِيصِ عُمُومِ مَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ «مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ، لَنَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى- يَعْنِي سُورَةَ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ [الطَّلَاق: ١]- بَعْدَ الطُّولَى» أَيِ السُّورَةِ الطُّولَى أَيِ الْبَقَرَةِ- وَلَيْسَ الْمُرَادُ سُورَةَ النِّسَاءِ الطُّولَى. وَعِنْدِي أَنَّ الْحُجَّةَ لِلْجُمْهُورِ، تَرْجِعُ إِلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ حِكْمَةَ عِدَّةِ الْوَفَاةِ هِيَ تَيَقُّنُ حِفْظِ النَّسَبِ، فَلَمَّا كَانَ وَضْعُ الْحَمْلِ أَدَلَّ شَيْءٍ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ كَانَ مُغْنِيًا عَنْ غَيْرِهِ، وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ: «أَتَجْعَلُونَ عَلَيْهَا التَّغْلِيظَ وَلَا تَجْعَلُونَ عَلَيْهَا الرُّخْصَةَ» يُرِيدُ أَنَّهَا لَوْ طَالَ أَمَدُ حَمْلِهَا لَمَا حَلَّتْ.

وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عِدَّةَ الْحَامِلِ فِي الْوَفَاةِ أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ، وَاخْتَارَهُ سَحْنُونٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ فَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ فِي هَذَا الْقَوْلِ جَمْعًا بَيْنَ مُقْتَضَى الْآيَتَيْنِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِي هَذَا الْقَوْلِ احْتِيَاطٌ، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَحْسَنُ إِذْ لَيْسَ فِي الْأَخْذِ بِأَقْصَى الْأَجَلَيْنِ جَمْعٌ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ بِالْمَعْنَى الْأُصُولِيِّ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمُتَعَارِضَيْنِ مَعْنَاهُ أَنْ يُعْمَلَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا: فِي حَالَةٍ أَوْ زَمَنٍ أَوْ أَفْرَادٍ، غَيْرَ مَا أُعْمِلَ فِيهِ بِالْآخَرِ، بِحَيْثُ يَتَحَقَّقُ فِي صُورَةِ الْجَمْعِ عَمَلٌ بِمُقْتَضَى الْمُتَعَارِضَيْنِ مَعًا، وَلِذَلِكَ يُسَمُّونَ الْجَمْعَ بِإِعْمَالِ النَّصَّيْنِ، وَالْمَقْصُودُ مِنَ الِاعْتِدَادِ تَحْدِيدُ أَمَدِ التَّرَبُّصِ وَالِانْتِظَارِ، فَإِذَا نَحْنُ أَخَذْنَا بِأَقْصَى الْأَجَلَيْنِ، أَبْطَلْنَا

مُقْتَضَى إِحْدَى الْآيَتَيْنِ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّنَا نُلْزِمُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا بِتَجَاوُزِ مَا حَدَّدَتْهُ لَهَا إِحْدَى الْآيَتَيْنِ، وَلَا نجد حَالَة نحقق فِيهَا مُقْتَضَاهُمَا، كَمَا هُوَ بَيِّنٌ، فَأَحْسَنُ العبارتين أَن نعبر بِالِاحْتِيَاطِ وَهُوَ أَنَّ الْآيَتَيْنِ تَعَارَضَتَا بِعُمُومٍ وَخُصُوصٍ وَجْهِيٍّ، فَعَمَدْنَا إِلَى صُورَةِ التَّعَارُضِ وَأَعْمَلْنَا فِيهَا مَرَّةً مُقْتَضَى هَذِهِ الْآيَةِ، وَمَرَّةً مُقْتَضَى الْأُخْرَى، تَرْجِيحًا لِأَحَدِ الْمُقْتَضَيَيْنِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ بِمُرَجِّحِ الِاحْتِيَاطِ فَهُوَ تَرْجِيحٌ لَا جَمْعٌ لَكِنَّ


(١) وَهُوَ الَّذِي
رُوِيَ فِي شَأْنه عَن الزُّهْرِيّ فِي الصَّحِيح أَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اللَّهُمَّ أمض لِأَصْحَابِي هجرتهم وَلَا تردهم على أَعْقَابهم لَكِن البائس سعد بن خَوْلَة»

قَالَ الزُّهْرِيّ: يرثى لَهُ رَسُول الله أَن مَاتَ بِمَكَّة.