للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهَذَا قِتَالٌ لَيْسَ لِلْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِسْلَامِ بَلْ هُوَ لِدَفْعِ غَائِلَةِ الْمُشْرِكِينَ.

النَّوْعُ الثَّانِي: آيَاتٌ أَمَرَتْ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ وَالْكُفَّارِ وَلَمْ تُغَيَّ بِغَايَةٍ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِطْلَاقُهَا مُقَيَّدًا بِغَايَةِ آيَةِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ [التَّوْبَة: ٢٩] وَحِينَئِذٍ فَلَا تُعَارِضُهُ آيَتُنَا هَذِهِ لَا إِكْراهَ فِي الدِّينِ.

النَّوْعُ الثَّالِثُ: مَا غُيِّيَ بِغَايَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ [الْبَقَرَة: ١٩٣] ، فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا بِهَاتِهِ الْآيَةِ وَآيَةِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ

[التَّوْبَة: ٢٩] كَمَا نُسِخَ

حَدِيثُ «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ»

، هَذَا مَا يَظْهَرُ لَنَا فِي مَعْنَى الْآيَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلِأَهْلِ الْعِلْمِ قَبْلَنَا فِيهَا قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى: هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ [التَّوْبَة: ٧٣] ، فَإِنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْرَهَ الْعَرَبَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَقَاتَلَهُمْ وَلَمْ يَرْضَ مِنْهُمْ إِلَّا بِهِ. وَلَعَلَّهُمَا يُرِيدَانِ مِنَ النَّسْخِ مَعْنَى التَّخْصِيصِ. وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى نَسْخِهَا بِقِتَالِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَرَبَ عَلَى الْإِسْلَامِ، يُعَارِضُهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ جَمِيعِ الْكُفَّارِ، فَوَجْهُ الْجمع هُوَ التَّنْصِيص. الْقَوْلُ الثَّانِي إِنَّهَا مُحْكَمَةٌ وَلَكِنَّهَا خَاصَّةٌ، فَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَقَتَادَةُ وَالْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ هِيَ خَاصَّةٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُمْ لَا يُكْرَهُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ إِذَا أَدَّوُا الْجِزْيَةَ وَإِنَّمَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ أَهْلُ الْأَوْثَانِ، وَإِلَى هَذَا مَالَ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ: إِنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُؤْخَذُ إِلَّا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْأَحْكَامِ «وَعَلَى هَذَا فَكُلُّ مَنْ رَأَى قَبُولَ الْجِزْيَةِ مِنْ جِنْسٍ يَحْمِلُ الْآيَةَ عَلَيْهِ» ، يَعْنِي مَعَ بَقَاءِ طَائِفَةٍ يَتَحَقَّقُ فِيهَا الْإِكْرَاهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ:

نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْأَنْصَارِ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مِنْهُمْ مِقْلَاتًا- أَيْ لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ- (١) تَنْذُرُ إِنْ عَاشَ لَهَا وَلَدٌ أَنْ تُهَوِّدَهُ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ وَأَسْلَمُوا كَانَ كَثِيرٌ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ يَهُودًا فَقَالُوا: لَا نَدَعُ أَبْنَاءَنَا بَلْ نُكْرِهُهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: لَا إِكْراهَ فِي الدِّينِ.


(١) المقلات- بِكَسْر الْمِيم- مُشْتَقَّة من القلت بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ الْهَلَاك، وَعَلِيهِ فالتاء فِيهِ أَصْلِيَّة وَلَيْسَت هَاء تَأْنِيث، وَوَقع فِي كَلَام ابْن عَبَّاس تكون الْمَرْأَة مقلى، رَوَاهُ الطَّبَرِيّ فَيكون مقلاه مفعلة من قلى إِذا أبْغض.