للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِثْلُ مَلَكُوتٍ وَرَهَبُوتٍ وَرَحَمُوتٍ فَوَقَعَ فِيهِ قَلْبٌ مَكَانِيٌّ- بَيْنَ عَيْنِهِ وَلَامِهِ- فَصُيِّرَ إِلَى فَلَعَوَتٍ طَيَغُوتٍ لِيَتَأَتَّى قَلْبُ اللَّامِ ألفا فَصَارَ طاغوت، ثُمَّ أُزِيلَ عَنْهُ مَعْنَى الْمَصْدَرِ وَصَارَ اسْمًا لِطَائِفَةٍ مِمَّا فِيهِ هَذَا الْمَصْدَرُ فَصَارَ مِثْلَ مَلَكُوتٍ فِي أَنَّهُ اسْمُ طَائِفَةٍ مِمَّا فِيهِ مَعْنَى الْمَصْدَرِ- لَا مِثْلَ رَحَمُوتٍ وَرَهَبُوتٍ فِي أَنَّهُمَا مَصْدَرَانِ- فَتَاؤُهُ زَائِدَةٌ، وَجُعِلَ عَلَمًا عَلَى الْكُفْرِ وَعَلَى الْأَصْنَامِ، وَأَصْلُهُ صِفَةٌ بِالْمَصْدَرِ وَيُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ وَالْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ كَشَأْنِ الْمَصَادِرِ.

وَعُطِفَ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ عَلَى الشَّرْطِ لِأَنَّ نَبْذَ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ لَا مَزِيَّةَ فِيهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ عَوَّضَهَا بِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَمَعْنَى اسْتَمْسَكَ تَمَسَّكَ، فَالسِّينُ وَالتَّاءُ لِلتَّأْكِيدِ كَقَوْلِهِ: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ [الزخرف: ٤٣] وَقَوْلِهِ: فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ [آل عمرَان: ١٩٥] وَقَوْلِ النَّابِغَةِ:

«فَاسْتَنْكَحُوا أُمَّ جَابِرٍ» إِذْ لَا مَعْنَى لِطَلَبِ التَّمَسُّكِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى بَعْدَ الْإِيمَانِ، بَلِ الْإِيمَانُ التَّمَسُّكُ نَفْسُهُ. وَالْعُرْوَةُ- بِضَمِّ الْعَيْنِ- مَا يُجْعَلُ كَالْحَلْقَةِ فِي طَرَفِ شَيْءٍ لِيُقْبَضَ عَلَى الشَّيْءِ مِنْهُ، فَلِلدَّلْوِ عُرْوَةٌ وَلِلْكُوزِ عُرْوَةٌ، وَقَدْ تَكُونُ الْعُرْوَةُ فِي حَبْلٍ بِأَنْ يُشَدَّ طَرَفُهُ إِلَى بَعْضِهِ وَيُعْقَدَ فَيَصِيرَ مِثْلَ الْحَلْقَةِ فِيهِ، فَلِذَلِكَ قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» : الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى مِنَ الْحَبْلِ الْوَثِيقِ.

والْوُثْقى الْمَحْكَمَةُ الشَّدِّ. ولَا انْفِصامَ لَها أَيْ لَا انْقِطَاعَ، وَالْفَصْمُ الْقَطْعُ بِتَفْرِيقِ الِاتِّصَالِ دُونَ تَجْزِئَةٍ بِخِلَافِ الْقَصْمِ بِالْقَافِ فَهُوَ قَطْعٌ مَعَ إِبَانَةٍ وَتَجْزِئَةٍ.

وَالِاسْتِمْسَاكُ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى تَمْثِيلِيٌّ، شُبِّهَتْ هَيْأَةُ الْمُؤْمِنِ فِي ثَبَاتِهِ على الْإِيمَان بهيأة مَنْ أَمْسَكَ بِعُرْوَةٍ وُثْقَى مِنْ حَبْلٍ وَهُوَ رَاكِبٌ عَلَى صَعْبٍ أَوْ فِي سَفِينَةٍ فِي هَوْلِ الْبَحْرِ، وَهِيَ هَيْأَةٌ معقولة شبهت بهيأة مَحْسُوسَةٍ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» «وَهَذَا تَمْثِيلٌ لِلْمَعْلُومِ بِالنَّظَرِ، بِالْمُشَاهَدِ» وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ لُقْمَانَ إِذْ قَالَ «مُثِّلَتْ حَالُ الْمُتَوَكِّلِ بِحَالِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَدَلَّى مِنْ شَاهِقٍ فَاحْتَاطَ لِنَفْسِهِ بِأَنِ اسْتَمْسَكَ بِأَوْثَقِ عُرْوَةٍ مِنْ حَبْلٍ مَتِينٍ مَأْمُونٍ انْقِطَاعُهُ» ، فَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ ثَابِتُ الْيَقِينِ سَالِمٌ مِنِ اضْطِرَابِ الْقَلْبِ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ نَاجٍ مِنْ مَهَاوِي السُّقُوطِ فِي الْآخِرَةِ كَحَالِ مِنْ تَمَسَّكَ بِعُرْوَةِ حَبْلٍ مَتِينٍ لَا يَنْفَصِمُ.