حَاضِرٍ، أَيْ خُذْ أَرْبَعَةً مِنْ أَجْزَائِهِ ثُمَّ ادْعُهُنَّ، وَالسَّعْيُ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَشْيِ لَا مِنْ أَنْوَاعِ الطَّيَرَانِ، فَجَعَلَ ذَلِكَ آيَةً عَلَى أَنَّهُنَّ أُعِيدَتْ إِلَيْهِنَّ حَيَاةٌ مُخَالِفَةٌ لِلْحَيَاةِ السَّابِقَةِ، لِئَلَّا يَظُنَّ أَنَّهُنَّ لَمْ يَمُتْنَ تَمَامًا.
وَذِكْرُ كُلِّ جَبَلٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَمْرٌ بِجَعْلِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الطَّيْرِ عَلَى جَبَلٍ لِأَنَّ وَضْعَهَا عَلَى الْجِبَالِ تَقْوِيَةٌ لِتَفَرُّقِ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ فَإِنَّهَا فُرِّقَتْ بِالْفَصْلِ مِنْ أَجْسَادِهَا وَبِوَضْعِهَا فِي أَمْكِنَةٍ مُتَبَاعِدَةٍ وَعَسِرَةِ التَّنَاوُلِ.
وَالْجَبَلُ قِطْعَةٌ عَظِيمَةٌ مِنَ الْأَرْضِ ذَاتُ حِجَارَةٍ وَتُرَابٍ نَاتِئَةٌ تِلْكَ الْقِطْعَةُ مِنَ الْأَرْضِ الْمُسْتَوِيَةِ، وَفِي الْأَرْضِ جِبَالٌ كَثِيرَةٌ مُتَفَاوِتَةُ الِارْتِفَاعِ، وَفِي بَعْضِهَا مَسَاكِنُ لِلْبَشَرِ مثل جبال طيّء، وَبَعْضُهَا تَعْتَصِمُ بِهِ النَّاسُ مِنَ الْعَدُوِّ كَمَا قَالَ السَّمَوْأَلُ:
لَنَا جَبَلٌ يَحْتَلُّهُ مِنْ نُجِيرُهُ ... مَنِيعٌ يَرُدُّ الطَّرْفَ وَهُوَ كليل
وَمعنى فَصُرْهُنَّ أَدْنِهِنَّ أَوْ أَيْلِهِنَّ يُقَالُ صَارَهُ يَصُورُهُ وَيَصِيرُهُ بِمَعْنًى وَهُوَ لَفْظٌ عَرَبِيٌّ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ مُعَرَّبٌ، فَعَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ نَبَطِيٌّ، وَعَنْ قَتَادَةَ هُوَ حَبَشِيٌّ، وَعَنْ وَهْبٍ هُوَ
رُومِيٌّ، وَفَائِدَةُ الْأَمْرِ بِإِدْنَائِهَا أَنْ يَتَأَمَّلَ أَحْوَالَهَا حَتَّى يَعْلَمَ بَعْدَ إِحْيَائِهَا أَنَّهَا لَمْ يَنْتَقِلْ جُزْءٌ مِنْهَا عَنْ مَوْضِعِهِ.
وَقَوْلُهُ: ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً عَطْفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ جُزْءاً لِأَنَّ تَجْزِئَتَهُنَّ إِنَّمَا تَقَعُ بَعْدَ الذَّبْحِ. فَالتَّقْدِيرُ فَاذْبَحْهُنَّ ثُمَّ اجْعَلْ إِلَخ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ فَصُرْهُنَّ- بِضَمِّ الصَّادِ وَسُكُونِ الرَّاءِ- مَنْ صَارَهُ يَصُورُهُ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَخَلَفٌ وَرُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ فَصُرْهُنَّ- بِكَسْرِ الصَّادِ- مَنْ صَارَ يَصِيرُ لُغَةٌ فِي هَذَا الْفِعْلِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ جُزْءاً- بِسُكُونِ الزَّايِ- وَقَرَأَهُ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ بِضَمِّ الزَّايِ، وهما لُغَتَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute