وَقَالَ الطِّيبِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْفَرَائِدِ: يُمْكِنُ أَنْ يُظَنَّ اسْتِعْمَالُ التَّدَايُنِ مَجَازًا فِي الْوَعْدِ كَقَوْلِ رُؤْبَةَ:
دَايَنْتُ أَرْوَى وَالدُّيُونُ تُقْضَى ... فَمَطَلَتْ بَعْضًا وَأَدَّتْ بَعْضَا
فَذَكَرَ قَوْلَهُ «بِدَيْنٍ» دَفْعًا لِتَوَهُّمِ الْمَجَازِ. وَالدَّيْنُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْعِوَضُ الْمُؤَخَّرُ قَالَ شَاعِرُهُمْ:
وَعَدَتْنَا بِدِرْهَمَيْنَا طِلَاءً ... وَشِوَاءً مُعَجَّلًا غَيْرَ دَيْنِ
وَقَوْلُهُ: إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى طَلَبُ تَعْيِينِ الْآجَالِ لِلدُّيُونِ لِئَلَّا يَقَعُوا فِي الْخُصُومَاتِ وَالتَّدَاعِي فِي الْمُرَادَاتِ، فَأُدْمِجَ تَشْرِيعُ التَّأْجِيلِ فِي أَثْنَاءِ تَشْرِيعِ التَّسْجِيلِ.
وَالْأَجَلُ مُدَّةٌ مِنَ الزَّمَانِ مَحْدُودَةُ النِّهَايَةِ مَجْعُولَةٌ ظَرْفًا لِعَمَلٍ غَيْرِ مَطْلُوبٍ فِيهِ الْمُبَادَرَةُ، لِرَغْبَةِ تَمَامِ ذَلِكَ الْعَمَلِ عِنْدَ انْتِهَاءِ تِلْكَ الْمُدَّةِ أَوْ فِي أَثْنَائِهَا.
وَالْأَجَلُ اسْمٌ وَلَيْسَ بِمَصْدَرٍ، وَالْمَصْدَرُ التَّأْجِيلُ، وَهُوَ إِعْطَاءُ الْأَجَلِ. وَلِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّوْسِعَةِ فِي الْعَمَلِ أُطْلِقَ الْأَجَلُ عَلَى التَّأْخِيرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ [الْبَقَرَة: ٢٣٤] وَقَوْلِهِ: حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ [الْبَقَرَة: ٢٣٥] .
وَالْمُسَمَّى حَقِيقَتُهُ الْمُمَيَّزُ بِاسْمٍ يُمَيِّزُهُ عَمَّا يُشَابِهُهُ فِي جِنْسِهِ أَوْ نَوْعِهِ، فَمِنْهُ أَسْمَاءُ الْأَعْلَامِ وَأَسْمَاءُ الْأَجْنَاسِ، وَالْمُسَمَّى هُنَا مُسْتَعَارٌ لِلْمُعَيَّنِ الْمَحْدُودِ، وَإِنَّمَا يُقْصَدُ تَحْدِيدُهُ بِنِهَايَةٍ مِنَ الْأَزْمَانِ الْمَعْلُومَةِ عِنْدَ النَّاسِ، فَشُبِّهَ ذَلِكَ بِالتَّحْدِيدِ بِوَضْعِ الِاسْمِ بِجَامِعِ التَّعْيِينِ إِذْ لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ عَنْ أَمْثَالِهِ إِلَّا بِذَلِكَ، فَأُطْلِقَ عَلَيْهِ لَفْظُ التَّسْمِيَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى. فَالْمَعْنَى أَجَلٌ مُعَيَّنٌ بِنِهَايَتِهِ. وَالدَّيْنُ لَا يَكُونُ إِلَّا إِلَى أَجَلٍ، فَالْمَقْصُودُ مِنْ وَصْفِ الدَّيْنِ بِهَذَا الْوَصْفِ، وَهُوَ وصف أجل بمسمّى إِدْمَاجًا لِلْأَمْرِ بِتَعْيِينِ الْأَجَلِ.
وَقَوْلُهُ: بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى يَعُمُّ كُلَّ دَيْنٍ: مِنْ قَرْضٍ أَوْ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي السَّلَمِ- يَعْنِي بَيْعَ الثِّمَارِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْمِثْلِيَّاتِ فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ إِذَا كَانَ ذَا ذِمَّةٍ إِلَى أَجَلٍ- وَكَانَ السَّلَمُ مِنْ مُعَامَلَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَمَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّ بَيْعَ السَّلَمِ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ، وَمِنَ الْمُقَرَّرِ فِي الْأُصُولِ أَنَّ السَّبَبَ الْخَاصَّ لَا يُخَصِّصُ الْعُمُومَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute