الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ:
هُوَ شَرْطٌ فِي اللُّزُومِ قَرِيبًا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَرْجِعَ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ إِذَا لَمْ يَقَعِ الْحَوْزُ، وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ فِي اللُّزُومِ، لِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدٌ يَثْبُتُ بِالصِّيغَةِ كَالْبَيْعِ، وَالْقَبْضُ مِنْ لَوَازِمِهِ، فَلِذَلِكَ يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى تَحْوِيزِ الْمُرْتَهَنِ إِلَّا أَنَّهُ إِذَا مَاتَ الرَّاهِنُ أَوْ أَفْلَسَ قَبْلَ التَّحْوِيزِ كَانَ الْمُرْتَهِنُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ إِذْ لَيْسَ لَهُ مَا يُؤْثِرُهُ عَلَى بَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ، وَالْآيَةُ تَشْهَدُ لِهَذَا لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْقَبْضَ وَصْفًا لِلرَّهْنِ، فَعُلِمَ أَنَّ مَاهِيَّةَ الرَّهْنِ قَدْ تَحَقَّقَتْ بِدُونِ الْقَبْضِ. وَأَهْلُ تُونُسَ يَكْتَفُونَ فِي رَهْنِ الرِّبَاعِ وَالْعَقَارِ بِرَهْنِ رُسُومِ التَّمَلُّكِ، وَيَعُدُّونَ ذَلِكَ فِي رَهْنِ الدَّيْنِ حَوْزًا. وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى بُطْلَانِ الِانْتِفَاعِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الرَّهْنَ عِوَضًا عَنِ الشَّهَادَة فِي التوثّق فَلَا وَجْهَ لِلِانْتِفَاعِ، وَاشْتِرَاطُ الِانْتِفَاعِ بِالرَّهْنِ يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ تَوَثُّقًا إِلَى مَاهِيَةِ الْبَيْعِ.
فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ.
مُتَفَرِّعٌ عَلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَحْكَامِ الدَّيْنِ: أَيْ إِنْ أَمِنَ كُلٌّ مِنَ الْمُتَدَايِنَيْنِ الْآخَرَ أَيْ وَثِقَ بَعْضُكُمْ بِأَمَانَةِ بَعْضٍ فَلَمْ يُطَالِبْهُ بِإِشْهَادٍ وَلَا رَهْنٍ، فَالْبَعْضُ- الْمَرْفُوعُ- هُوَ الدَّائِنُ، وَالْبَعْضُ- الْمَنْصُوبُ- هُوَ الْمَدِينُ وَهُوَ الَّذِي ائْتمن.
وَالْأَمَانَةُ مَصْدَرُ آمَنَهُ إِذَا جَعَلَهُ آمِنًا. وَالْأَمْنُ اطْمِئْنَانُ النَّفْسِ وَسَلَامَتُهَا مِمَّا تَخَافُهُ، وَأُطْلِقَتِ الْأَمَانَةُ عَلَى الشَّيْءِ الْمُؤَمَّنِ عَلَيْهِ، مِنْ إِطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى الْمَفْعُولِ. وَإِضَافَةُ أَمَانَتِهِ تُشْبِهُ إِضَافَةَ الْمَصْدَرِ إِلَى مَفْعُولِهِ. وَسَيَجِيءُ ذِكْرُ الْأَمَانَةِ بِمَعْنَى صِفَةِ الْأَمِينِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [٦٨] .
وَقَدْ أُطْلِقَ هُنَا اسْمُ الْأَمَانَةِ عَلَى الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ وَعَلَى الرَّهْنِ لِتَعْظِيمِ ذَلِكَ الْحَقِّ لِأَنَّ اسْمَ الْأَمَانَاتِ لَهُ مَهَابَةٌ فِي النُّفُوسِ، فَذَلِكَ تَحْذِيرٌ مِنْ عَدَمِ الْوَفَاءِ بِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا سُمِّيَ أَمَانَةً فَعَدَمُ أَدَائِهِ يَنْعَكِسُ خِيَانَةً لِأَنَّهَا ضِدُّهَا،
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute