وَقَوْلُهُ: فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ جِيءَ فِيهِ بِالْفَاءِ لِلتَّفْرِيعِ عَنْ كَوْنِهِ مَوْلًى، لِأَنَّ شَأْنَ الْمَوْلَى أَنْ يَنْصُرَ مَوْلَاهُ، وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ مَوْقِعُ التَّعْجِيبِ وَالتَّحْسِيرِ فِي قَوْلِ مُرَّةَ بْنِ عَدَّاءٍ الْفَقْعَسِيِّ:
رَأَيْتُ مَوَالِي الْأُلَى يَخْذُلُونَنِي ... عَلَى حَدَثَانِ الدَّهْرِ إِذْ يَتَقَلَّبُ
وَفِي التَّفْرِيعِ بِالْفَاءِ إِيذَانٌ بِتَأْكِيدِ طَلَبِ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ بِالنَّصْرِ، لِأَنَّهُمْ جَعَلُوهُ مُرَتَّبًا عَلَى وَصْفٍ مُحَقَّقٍ، وَهُوَ وِلَايَةُ اللَّهِ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ تَعَالَى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا [الْبَقَرَة:
٢٥٧]
وَفِي حَدِيثِ يَوْمِ أُحُدٍ لَمَّا قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: «لَنَا الْعُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ» قَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَجِيبُوهُ «اللَّهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ»
. وَوَجْهُ الِاهْتِمَامِ بِهَذِهِ الدَّعْوَةِ أَنَّهَا جَامِعَةٌ لِخَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لِأَنَّهُمْ إِذَا نُصِرُوا عَلَى الْعَدُوِّ، فَقَدْ طَابَ عَيْشُهُمْ وَظَهَرَ دِينُهُمْ، وَسَلِمُوا مِنَ الْفِتْنَةِ، وَدَخَلَ النَّاسُ فِيهِ أَفْوَاجًا.
وَفِي «الصَّحِيحِ» ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ الْبَدْرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَرَأَ الْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فِي لَيْلَةٍ، كَفَتَاهُ»
وَهُمَا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. قِيلَ مَعْنَاهُ كَفَتَاهُ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، فَيَكُونُ مَعْنَى مَنْ قَرَأَ مَنْ صَلَّى بِهِمَا، وَقِيلَ مَعْنَاهُ كَفَتَاهُ بَرَكَةً وَتَعَوُّذًا مِنَ الشَّيَاطِينِ وَالْمَضَارِّ، وَلَعَلَّ كَلَا الِاحْتِمَالَيْنِ مُرَادٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute