الْعِلْمِ وَأَقْوَى فِي تَحْصِيل الْعلم الْقَاطِع لِجِدَالِ الْمُلْحِدِينَ، وَالْمَقْنَعِ لِمَنْ يَتَطَلَّبُونَ الْحَقَائِقَ مِنَ الْمُتَعَلِّمِينَ، وَقَدْ يَصِفُونَهَا بِأَنَّهَا أَحْكَمُ أَيْ أَشَدُّ إِحْكَامًا لِأَنَّهَا تُقْنِعُ أَصْحَابَ الْأَغْرَاضِ كُلَّهُمْ. وَقَدْ وَقَعَ هَذَانِ الْوَصْفَانِ فِي كَلَامِ الْمُفَسِّرِينَ وَعُلَمَاءِ الْأُصُولِ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ أوّل من صَدرا
عَنْهُ، وَقَدْ تَعَرَّضَ الشَّيْخُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ- فِي «الْعَقِيدَةِ الْحَمَوِيَّةِ» - إِلَى رَدِّ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ وَلَمْ يَنْسُبْهُمَا إِلَى قَائِلٍ. وَالْمَوْصُوفُ بِأَسْلَمَ وَبِأَعْلَمَ الطَّرِيقَةُ لَا أَهْلُهَا فَإِنَّ أَهْلَ الطَّرِيقَتَيْنِ مِنْ أَئِمَّةِ الْعِلْمِ، وَمِمَّنْ سَلِمُوا فِي دِينِهِمْ مِنَ الْفِتَنِ.
وَلَيْسَ فِي وَصْفِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ، بِأَنَّهَا أَعْلَمُ أَوْ أَحْكَمُ، غَضَاضَةٌ مِنَ الطَّرِيقَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْعُصُورَ الَّذِينَ دَرَجُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى، فِيهِمْ مَنْ لَا تَخْفَى عَلَيْهِمْ مَحَامِلُهَا بِسَبَبِ ذَوْقِهِمُ الْعَرَبِيِّ، وَهَدْيِهِمُ النَّبَوِيِّ، وَفِيهِمْ مَنْ لَا يُعِيرُ الْبَحْثَ عَنْهَا جَانِبًا مِنْ هِمَّتِهِ، مِثْلَ سَائِرِ الْعَامَّةِ. فَلَا جَرَمَ كَانَ طَيُّ الْبَحْثِ عَنْ تَفْصِيلِهَا أَسْلَمَ لِلْعُمُومِ، وَكَانَ تَفْصِيلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَعْلَمَ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ، بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يُؤَوِّلُوهَا بِهِ لَأَوْسَعُوا، لِلْمُتَطَلِّعِينَ إِلَى بَيَانِهَا، مَجَالًا لِلشَّكِّ أَوِ الْإِلْحَادِ، أَوْ ضِيقِ الصَّدْرِ فِي الِاعْتِقَادِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ التَّأْوِيلَ مِنْهُ مَا هُوَ وَاضِحٌ بَيِّنٌ، فَصَرْفُ اللَّفْظِ الْمُتَشَابِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ إِلَى ذَلِكَ التَّأْوِيلِ يُعَادِلُ حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ الْمَشْهُورَيْنِ لِأَجْلِ كَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى غَيْرِ الظَّاهِرِ مِنْهُ. فَهَذَا الْقِسْمُ مِنَ التَّأْوِيلِ حَقِيقٌ بِأَلَّا يُسَمَّى تَأْوِيلًا وَلَيْسَ أَحَدُ مَحْمَلَيْهِ بِأَقْوَى مِنَ الْآخَرِ إِلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا أَسْبَقُ فِي الْوَضْعِ مِنَ الْآخَرِ، وَالْمَحْمَلَانِ مُتَسَاوِيَانِ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَلَيْسَ سَبْقُ إِطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَى أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ بِمُقْتَضٍ تَرْجِيحَ ذَلِكَ الْمَعْنَى، فَكَمْ مِنْ إِطْلَاقٍ مَجَازِيٍّ لِلَفْظٍ هُوَ أَسْبَقُ إِلَى الْأَفْهَامِ مِنْ إِطْلَاقِهِ الْحَقِيقِيِّ. وَلَيْسَ قَوْلُهُمْ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ بِأَنَّ الْحَقِيقَةَ أَرْجَحُ مِنَ الْمَجَازِ بِمَقْبُولٍ عَلَى عُمُومِهِ.
وَتَسْمِيَةُ هَذَا النَّوْعِ بِالْمُتَشَابِهِ لَيْسَتْ مُرَادَةً فِي الْآيَةِ. وَعَدُّهُ مِنَ الْمُتَشَابِهِ جُمُودٌ.
وَمِنَ التَّأْوِيلِ مَا ظَاهِرُ مَعْنَى اللَّفْظِ فِيهِ أَشْهَرُ مِنْ مَعْنَى تَأْوِيلِهِ وَلَكِنَّ الْقَرَائِنَ أَوِ الْأَدِلَّةَ أَوْجَبَتْ صَرْفَ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِ مَعْنَاهُ فَهَذَا حَقِيقٌ بِأَنْ يُعَدَّ مِنَ الْمُتَشَابِهِ.
ثُمَّ إِنَّ تَأْوِيلَ اللَّفْظِ فِي مِثْلِهِ قَدْ يَتَيَسَّرُ بِمَعْنًى مُسْتَقِيمٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ الْمُرَادُ إِذَا جَرَى حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى مَا هُوَ مِنْ مُسْتَعْمَلَاتِهِ فِي الْكَلَامِ الْبَلِيغِ مِثْلَ الْأَيْدِي وَالْأَعْيُنِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute