للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدْ قِيلَ: أُرِيدَ بِالَّذِينَ كَفَرُوا خُصُوصُ الْيَهُودِ، وَذَكَرُوا لِذَلِكَ سَبَبًا رَوَاهُ الْوَاحِدِيُّ، فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ: أَنَّ يَهُودَ يَثْرِبَ كَانُوا عَاهَدُوا رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مُدَّةٍ فَلَمَّا أَصَابَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ النَّكْبَةِ. نَقَضُوا الْعَهْدَ وَانْطَلَقَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ فِي سِتِّينَ رَاكِبًا إِلَى أَبِي سُفْيَانَ بِمَكَّةَ وَقَالُوا لَهُمْ: لَتَكُونَنَّ كَلِمَتُنَا وَاحِدَةً، فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى الْمَدِينَةِ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.

وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: أَنَّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا غَلَبَ قُرَيْشًا بِبَدْرٍ، وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، جَمَعَ الْيَهُودَ وَقَالَ لَهُمْ: «يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ احْذَرُوا مِنَ اللَّهِ مِثْلَ مَا نَزَلَ بِقُرَيْشٍ وَأَسْلِمُوا فَقَدْ عَرَفْتُمْ، أَنِّي نَبِيءٌ مُرْسَلٌ» فَقَالُوا: «يَا مُحَمَّدُ لَا يَغُرَّنَّكَ أَنَّكَ لَقِيتَ قَوْمًا أَغْمَارًا لَا مَعْرِفَةَ لَهُمْ بِالْحَرْبِ فَأَصَبْتَ فِيهِمْ فُرْصَةً أَمَا وَاللَّهِ لَوْ قَاتَلْنَاكَ لَعَرَفْتَ أَنَّا نَحْنُ النَّاسُ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ

. وَعَلَى هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ فَالْغَلَبُ الَّذِي أُنْذِرُوا بِهِ هُوَ فَتْحُ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ وَخَيْبَرَ، وَأَيْضًا فَالتَّهْدِيدُ وَالْوَعِيدُ شَامِلٌ لِلْفَرِيقَيْنِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ.

وَعَطْفُ بِئْسَ الْمِهادُ عَلَى سَتُغْلَبُونَ عَطْفُ الْإِنْشَاءِ عَلَى الْخَبَرِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ- كِلْتَيْهِمَا بِتَاءِ الْخِطَابِ- وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَخَلَفٌ: بِيَاءِ الْغَيْبَةِ، وَهُمَا وَجْهَانِ فِيمَا يُحْكَى بِالْقَوْلِ لِمُخَاطَبٍ، وَالْخِطَابُ أَكْثَرُ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ [الْمَائِدَة:

١١٧] وَلَمْ يَقُلْ رَبَّكَ وَرَبَّهُمْ.

وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ: قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ خِطَابٌ لِلَّذِينِ كَفَرُوا، كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الْمَقَامَ لِلْمُحَاجَّةِ، فَأَعْقَبَ الْإِنْذَارَ وَالْوَعِيدَ بِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ. فَيَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَقُولِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَيَكُونَ اسْتِئْنَافًا نَاشِئًا عَنْ قَوْلِهِ سَتُغْلَبُونَ إِذْ لَعَلَّ كَثْرَةَ الْمُخَاطَبِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، أَوِ الْيَهُودِ، أَوْ كِلَيْهِمَا، يُثِيرُ تَعَجُّبَ السَّامِعِينَ مِنْ غَلَبِهِمْ فَذَكَّرَهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ.

وَالْفِئَتَانِ هُمَا الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ يَوْمَ بَدْرٍ.

وَالِالْتِقَاءُ: اللِّقَاءُ، وَصِيغَةُ الِافْتِعَالِ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ، وَاللِّقَاءُ مُصَادَفَةُ الشَّخْصِ شَخْصًا فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَيُطْلَقُ اللِّقَاءُ عَلَى الْبُرُوزِ لِلْقِتَالِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: