وَالرُّؤْيَةُ بَصَرِيَّةٌ بِدَلِيلِ تَعْدِيَتِهَا بِحَرْفِ إِلَى: الَّذِي يَتَعَدَّى بِهِ فِعْلُ النَّظَرِ، وَجَوَّزَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٤٤] : أَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَةُ قَلْبِيَّةً، وَتَكُونَ (إِلَى) دَاخِلَةً عَلَى الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ لِتَأْكِيدِ اتِّصَالِ الْعِلْمِ بِالْمَعْلُومِ وَانْتِهَائِهِ الْمَجَازِيِّ إِلَيْهِ، فَتَكُونَ مِثْلَ قَوْلِهِ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ [الْبَقَرَة: ٢٥٨] .
وَعُرِفَ الْمُتَحَدَّثُ عَنْهُمْ بِطَرِيقِ الْمَوْصُولِيَّةِ دُونَ لَقَبِهِمْ، أَعْنِي الْيَهُودَ: لِأَنَّ فِي الصِّلَةِ مَا يَزِيدُ التَّعْجِيبَ مِنْ حَالِهِمْ لِأَنَّ كَوْنَهُمْ عَلَى عِلْمٍ مِنَ الْكِتَابِ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَصُدَّهُمْ عَمَّا أَخْبَرَ بِهِ عَنْهُمْ. عَلَى مَا فِي هَذِهِ الصِّلَةِ أَيْضًا مِنْ تَوْهِينِ عِلْمِهِمُ الْمَزْعُومِ.
وَالْكتاب: التَّوْرَاةُ فَالتَّعْرِيفُ لِلْعَهْدِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَقِيلَ: هُوَ لِلْجِنْسِ.
وَالْمُرَادُ بِالَّذِينَ أُوتُوهُ هُمُ الْيَهُودُ، وَقِيلَ: أُرِيدَ النَّصَارَى، أَيْ أَهْلُ نَجْرَانَ.
وَالنَّصِيبُ: الْقِسْطُ وَالْحَظُّ وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٠٢] .
وَتَنْكِيرُ نَصِيباً لِلنَّوْعِيَّةِ، وَلَيْسَ لِلتَّعْظِيمِ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ تَهَاوُنٍ بِهِمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّنْوِينُ لِلتَّقْلِيلِ.
ومِنَ لِلتَّبْعِيضِ، كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ لَفْظِ النَّصِيب، فَالْمُرَاد بِالْكتاب جِنْسُ الْكُتُبِ، وَالنَّصِيبُ هُوَ كِتَابُهُمْ، وَالْمُرَادُ: أُوتُوا بَعْضَ كِتَابِهِمْ، تَعْرِيضًا بِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مِنْ كِتَابِهِمْ
إِلَّا حَظًّا يَسِيرًا، وَيَجُوزُ كَوْنُ مِنْ لِلْبَيَانِ. وَالْمَعْنَى: أُوتُوا حَظًّا مِنْ حُظُوظِ الْكَمَالِ، هُوَ الْكِتَابُ الَّذِي أُوتُوهُ.
وَجُمْلَةُ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ فِي مَوْضُوع الْحَالِ لِأَنَّهَا مَحَلُّ التَّعْجِيبِ، وَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ ضَمِيمَةِ مَا عُطِفَ عَلَيْهَا، وَهُوَ، قَوْلُهُ: ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْعَجِيبُ لَا أَصْلَ دَعْوَتِهِمْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ، وَإِذَا جَعَلْتَ (تَرَ) قَلْبِيَّةً فَجُمْلَةُ يُدْعَوْنَ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي وَقَدْ عَلِمْتَ بُعْدَهُ.
وكِتابِ اللَّهِ: الْقُرْآنُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ [الْبَقَرَة: ١٠١] . فَهُوَ غَيْرُ الْكِتَابِ الْمُرَادِ فِي قَوْلِهِ: مِنَ الْكِتابِ كَمَا ينبىء بِهِ تَغْيِيرُ