وَقَدْ جَاءَ فِي سِفْرِ التَّكْوِينِ مِنْ كِتَابِ الْعَهْدِ عِنْدَ الْيَهُودِ مَا يَقْتَضِي: أَنَّ آدَمَ وُجِدَ عَلَى الْأَرْضِ فِي وَقْتٍ يُوَافِقُ سَنَةَ ٣٩٤٢ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ وَثَلَاثَةِ آلَافٍ قَبْلَ مِيلَادِ عِيسَى وَأَنَّهُ عَاشَ تِسْعَمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً فَتَكُونُ وَفَاتُهُ فِي سَنَةِ ٣٠١٢ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَثَلَاثَةِ آلَافٍ قَبْلَ مِيلَادِ عِيسَى هَذَا مَا تَقَبَّلَهُ الْمُؤَرِّخُونَ الْمُتَّبِعُونَ لِضَبْطِ السِّنِينَ. وَالْمَظْنُونُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ النَّاظِرِينَ فِي شَوَاهِدِ حَضَارَةِ الْبَشَرِيَّةِ أَنَّ هَذَا الضَّبْطَ لَا يُعْتَمَدُ، وَأَنَّ وُجُودَ آدَمَ مُتَقَادِمٌ فِي أَزْمِنَةٍ مُتَرَامِيَةِ الْبُعْدِ هِيَ أَكْثَرُ بِكَثِيرٍ مِمَّا حَدَّدَهُ سِفْرُ التَّكْوِينِ.
وَأَمَّا نُوحٌ فَتَقُولُ التَّوْرَاةُ: إِنَّهُ ابْنُ لَامَكَ وَسُمِّيَ عِنْدَ الْعَرَبِ لَمَكَ بْنَ مُتُوشَالِخَ بْنِ أَخْنُوخَ (وَهُوَ إِدْرِيسُ عِنْدَ الْعَرَبِ) ابْنِ يَارِدَ بِتَحْتِيَّةٍ فِي أَوَّلِهِ بْنِ مَهْلَئِيلَ بِمِيمٍ مَفْتُوحَةٍ فَهَاءٍ سَاكِنَةٍ فَلَامٍ مَفْتُوحَةٍ بْنِ قَيْنَانَ بْنِ أَنُوشَ بْنِ شِيثِ بْنِ آدَمَ. وَعَلَى تَقْدِيرِهَا وَتَقْدِيرِ سِنِيِّ أَعْمَارِهِمْ يَكُونُ قَدْ وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ وَأَلْفَيْنِ قَبْلَ مِيلَادِ عِيسَى وَتُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ وَأَلْفٍ قَبْلَ مِيلَادِ عِيسَى وَالْقَوْلُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي ضَبْطِ تَارِيخ وجود ءادم.
وَفِي زَمَنِ نُوحٍ وَقَعَ الطُّوفَانُ عَلَى جَمِيعِ الْأَرْضِ وَنَجَّاهُ اللَّهُ وَأَوْلَادَهُ وَأَزْوَاجَهُمْ فِي الْفُلْكِ فَيَكُونُ أَبًا ثَانِيًا لِلْبَشَرِ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَدَّعِي أَنَّ الطُّوفَانَ لَمْ يَعُمَّ الْأَرْضَ وَعَلَى هَذَا الرَّأْيِ ذَهَبَ مُؤَرِّخُو الصِّينِ وَزَعَمُوا أَنَّ الطُّوفَانَ لَمْ يَشْمَلْ قُطْرَهُمْ فَلَا يَكُونُ نُوحٌ عِنْدَهُمْ أَبًا ثَانِيًا لِلْبَشَرِ. وَعَلَى رَأْيِ الْجُمْهُورِ فَالْبَشَرُ كُلُّهُمْ يَرْجِعُونَ إِلَى أَبْنَاءِ نُوحٍ الثَّلَاثَةِ سَامٍ، حام، وَيَافِثَ، وَهُوَ أَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ حَسَبِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وعمّر نوح تسعماية وَخَمْسِينَ سَنَةً عَلَى مَا فِي التَّوْرَاةِ فَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاما [العنكبوت: ١٤] وَفِي التَّوْرَاةِ: أَنَّ الطُّوفَانَ حَدَثَ وَعُمْرُ نُوحٍ سِتُّمِائَةِ سَنَةٍ وَأَنَّ نُوحًا صَارَ بَعْدَ الطُّوفَانِ فَلَّاحًا وَغَرَسَ الْكَرْمَ وَاتَّخَذَ الْخَمْرَ. وَذَكَرَ الْأَلُوسِيُّ صِفَتَهُ بِدُونِ سَنَدٍ فَقَالَ:
كَانَ نُوحٌ دَقِيقَ الْوَجْهِ فِي رَأْسِهِ طُولٌ عَظِيمَ الْعَيْنَيْنِ غَلِيظَ الْعَضُدَيْنِ كَثِيرَ لَحْمِ الْفَخِذَيْنِ ضَخْمَ
السُّرَّةِ طَوِيلَ الْقَامَةِ جَسِيمًا طَوِيلَ اللِّحْيَةِ، قِيلَ: إِنَّ مَدْفَنَهُ بِالْعِرَاقِ فِي نَوَاحِي الْكُوفَةِ، وَقِيلَ فِي ذَيْلِ جَبَلِ لُبْنَانَ، وَقِيلَ بِمَدِينَةِ الْكَرْكِ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ الطُّوفَانِ: فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ، وَفِي سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ، وَذِكْرُ شَرِيعَتِهِ فِي سُورَةِ الشُّورَى، وَفِي سُورَةِ نُوحٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute