للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَوْلُهُ: وَهُوَ قائِمٌ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِهَا بَيَانُ سُرْعَةِ إِجَابَتِهِ لِأَنَّ دُعَاءَهُ كَانَ فِي صَلَاتِهِ.

وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ تَعَالَى: هُنالِكَ وَالتَّفْرِيعِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: فَنَادَتْهُ أَنَّ الْمِحْرَابَ مِحْرَابُ مَرْيَمَ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: فَنَادَتْهُ- بِتَاءِ تَأْنِيثٍ- لِكَوْنِ الْمَلَائِكَةِ جَمْعًا، وَإِسْنَادُ الْفِعْلِ لِلْجَمْعِ

يَجُوزُ فِيهِ التَّأْنِيثُ عَلَى تَأْوِيلِهِ بِالْجَمَاعَةِ أَيْ نَادَتْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي نَادَاهُ مَلَكًا وَاحِدًا وَهُوَ جِبْرِيلُ وَقَدْ ثَبَتَ التَّصْرِيحُ بِهَذَا فِي إِنْجِيلِ لُوقَا، فَيَكُونَ إِسْنَادُ النِّدَاءِ إِلَى الْمَلَائِكَةِ مِنْ قَبِيلِ إِسْنَادِ فِعْلِ الْوَاحِدِ إِلَى قَبِيلَتِهِ كَقَوْلِهِمْ: قَتَلَتْ بَكْرٌ كُلَيْبًا.

وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَخَلَفٌ: فَنَادَاهُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى اعْتِبَارِ الْمُنَادِي وَاحِدًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَهُوَ جِبْرِيلُ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: أَنَّ اللَّهَ بِفَتْحِ هَمْزَةِ أَنَّ عَلَى أَنَّهُ فِي مَحَلِّ جَرٍّ بِبَاءٍ مَحْذُوفَةٍ أَيْ نَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ بِأَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى.

وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ: إِنَّ- بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ- عَلَى الْحِكَايَةِ. وَعَلَى كِلْتَا الْقِرَاءَتَيْنِ فتأكيد الْكَلَام بإنّ الْمَفْتُوحَةِ الْهَمْزَةِ وَالْمَكْسُورَتِهَا لِتَحْقِيقِ الْخَبَرِ لِأَنَّهُ لِغَرَابَتِهِ يُنَزِّلُ الْمُخْبَرَ بِهِ مَنْزِلَةَ الْمُتَرَدِّدِ الطَّالِبِ.

وَمَعْنَى «يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى» يُبَشِّرُكَ بِمَوْلُودٍ يُسَمَّى يَحْيَى فَعُلِمَ أَنَّ يَحْيَى اسْمٌ لَا فِعْلٌ بِقَرِينَةِ دُخُولِ الْبَاءِ عَلَيْهِ وَذُكِرَ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ [٧] : إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى.

وَيحيى مُعَرَّبُ يُوحَنَّا بِالْعِبْرَانِيَّةِ فَهُوَ عَجَمِيٌّ لَا مَحَالَةَ نَطَقَ بِهِ الْعَرَبُ عَلَى زِنَةِ الْمُضَارِعِ مَنْ حَيِيَ وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلْعُجْمَةِ أَوْ لِوَزْنِ الْفِعْلِ. وَقُتِلَ يَحْيَى فِي كُهُولَتِهِ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِأَمْرِ (هِيرُودُسَ) قَبْلَ رَفْعِ الْمَسِيحِ بِمُدَّةٍ قَلِيلَةٍ.

وَقَدْ ضُمَّتْ إِلَى بِشَارَتِهِ بِالِابْنِ بِشَارَةٌ بِطِيبِهِ كَمَا رَجَا زَكَرِيَّاءُ، فَقِيلَ لَهُ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ، فَمُصَدِّقًا حَالٌ مِنْ يَحْيَى أَيْ كَامِلَ التَّوْفِيقِ لَا يَتَرَدَّدُ فِي كَلِمَةٍ تَأْتِي مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَقَدْ أُجْمِلَ هَذَا الْخَبَرُ لِزَكَرِيَّاءَ لِيَعْلَمَ أَنَّ حَادِثًا عَظِيمًا سَيَقَعُ يَكُونُ ابْنُهُ فِيهِ مُصَدِّقًا بِرَسُولٍ يَجِيءُ وَهُوَ عِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ.