الشَّائِعَةِ فَيُقَالُ:
وَجْهُ النَّهَارِ لِأَوَّلِ النَّهَارِ قَالَ تَعَالَى: وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ [آل عمرَان: ٧٢] وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ زِيَادٍ الْعَبْسِيُّ:
مَنْ كَانَ مَسْرُورًا بِمَقْتَلِ مَالِكٍ ... فَلْيَأْتِ نِسْوَتَنَا بِوَجْهِ نَهَارِ
وَقَالَ الْأَعْشَى:
وَلَاحَ لَهُمْ وَجْهُ الْعَشِيَّاتِ سَمْلَقُ وَيَقُولُونَ: هُوَ وَجْهُ الْقَوْمِ أَيْ سَيِّدُهُمْ وَالْمُقَدَّمُ بَيْنَهُمْ. وَاشْتُقَّ مِنْ هَذَا الِاسْمِ فِعْلُ وَجُهَ بِضَمِّ الْجِيمِ كَكَرُمَ فَجَاءَ مِنْهُ وَجِيهٌ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ، فَوَجِيهُ النَّاسِ الْمُكَرَّمُ بَيْنَهُمْ، وَمَقْبُولُ الْكَلِمَةِ فِيهِمْ، قَالَ تَعَالَى فِي وَصْفِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً.
والْمَهْدُ شِبْهُ الصُّنْدُوقِ مِنْ خَشَبٍ لَا غِطَاءَ لَهُ يُمَهَّدُ فِيهِ مَضْجَعٌ لِلصَّبِيِّ مُدَّةَ رِضَاعِهِ يُوضَعُ فِيهِ لِحِفْظِهِ مِنَ السُّقُوطِ.
وَخُصَّ تَكْلِيمُهُ بِحَالَيْنِ: حَالِ كَوْنِهِ فِي الْمَهْدِ، وَحَالِ كَوْنِهِ كَهْلًا، مَعَ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لِأَنَّ لِذَيْنِكَ الْحَالَيْنِ مَزِيدَ اخْتِصَاصٍ بِتَشْرِيفِ اللَّهِ إِيَّاهُ فَأَمَّا تَكْلِيمُهُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ فَلِأَنَّهُ خَارِقُ عَادَةٍ إِرْهَاصًا لِنُبُوءَتِهِ. وَأَمَّا تَكْلِيمُهُمْ كَهْلًا فَمُرَادٌ بِهِ دَعْوَتُهُ النَّاسَ إِلَى الشَّرِيعَةِ.
فَالتَّكْلِيمُ مُسْتَعْمَلٌ فِي صَرِيحِهِ وَفِي كِنَايَتِهِ بِاعْتِبَارِ الْقَرِينَةِ الْمُعَيَّنَةِ لِلْمَعْنَيَيْنِ وَهِيَ مَا تَعَلَّقَ بِالْفِعْلِ مِنَ الْمَجْرُورَيْنِ.
وَعُطِفَ عَلَيْهِ وَمِنَ الصَّالِحِينَ فَالْمَجْرُورُ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ.
وَالصَّالِحُونَ الَّذِينَ صِفَتُهُمُ الصَّلَاحُ لَا تُفَارِقُهُمْ، وَالصَّلَاحُ اسْتِقَامَةُ الْأَعْمَالِ وَطَهَارَةُ النَّفْسِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ: رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ [الصافات: ١٠٠] .
وَالْكَهْلُ مَنْ دَخَلَ فِي عَشَرَةِ الْأَرْبَعِينَ وَهُوَ الَّذِي فَارَقَ عَصْرَ الشَّبَابِ، وَالْمَرْأَةُ شَهْلَةٌ بِالشِّينِ، وَلَا يُقَالُ كَهْلَةٌ كَمَا لَا يُقَالُ شَهْلٌ لِلرَّجُلِ إِلَّا أَنَّ الْعَرَبَ قَدِيمًا سَمَّوْا شَهْلًا مِثْلَ شَهْلِ بْنِ شَيْبَانَ الْمُلَقَّبِ الْفِنْدُ الزِّمَانِيُّ فَدَلَّنَا ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ أُمِيتَ. وَقَدْ كَانَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام حَيْثُ بُعِثَ ابْنَ نَيِّفٍ وَثَلَاثِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute