للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمَعْنَى جِئْتُكُمْ أُرْسِلْتُ إِلَيْكُمْ مِنْ جَانِبِ اللَّهِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ [الزخرف: ٦٣] .

وَقَوْلُهُ: بِآيَةٍ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ جِئْتُكُمْ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِخْبَارُ بِأَنَّهُ رَسُولٌ لَا بِأَنَّهُ جَاءَ بِآيَةٍ. شَبَّهَ أَمْرَ اللَّهِ إِيَّاهُ بِأَنْ يُبَلِّغَ رِسَالَةً بِمَجِيءِ الْمُرْسَلِ مِنْ قَوْمٍ إِلَى آخَرِينَ وَلِذَلِكَ سُمِّيَ النَّبِيءُ رَسُولًا.

وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِآيَةٍ لِلْمُلَابَسَةِ أَيْ مُقَارِنًا لِلْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِي فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ الْمُعَبَّرِ عَنْهَا بِفِعْلِ الْمَجِيءِ. وَالْمَجْرُور مُتَعَلق بجئتكم عَلَى أَنَّهُ ظَرْفُ لَغْوٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا مُسْتَقِرًّا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ جِئْتُكُمْ لِأَنَّ مَعْنَى جِئْتُكُمْ: أُرْسِلْتُ إِلَيْكُمْ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ. وَقَوْلُهُ: أَنِّي أَخْلُقُ- بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ- اسْتِئْنَافٌ لِبَيَانِ آيَةٍ وَهِيَ قِرَاءَةُ نَافِعٍ، وَأَبِي جَعْفَرٍ. وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِفَتْحِ هَمْزَةِ أَنِّي عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ.

وَالْخَلْقُ: حَقِيقَتُهُ تَقْدِيرُ شَيْءٍ بِقَدْرٍ، وَمِنْهُ خَلْقُ الْأَدِيمِ تَقْدِيرُهُ بِحَسْبِ مَا يُرَادُ مِنْ قَطْعِهِ قَبْلَ قَطْعِ الْقِطْعَةِ مِنْهُ قَالَ زُهَيْرٌ:

وَلَأَنْتَ تَفْرِي مَا خلقت وَبَعض الْقَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لَا يَفْرِي يُرِيدُ تَقْدِيرَ الْأَدِيمِ قَبْلَ قَطْعِهِ وَالْقَطْعُ هُوَ الْفَرْيُ، وَيُسْتَعْمَلُ مَجَازًا مَشْهُورًا أَوْ مُشْتَرَكًا فِي الْإِنْشَاءِ، وَالْإِبْدَاعِ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ وَلَا احْتِذَاءٍ، وَفِي الْإِنْشَاءِ عَلَى مِثَالِ يُبْدِعُ وَيُقَدِّرُ، قَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ [الْأَعْرَاف: ١١] فَهُوَ إِبْدَاعُ الشَّيْءِ وَإِبْرَازُهُ لِلْوُجُودِ

وَالْخَلْقُ هُنَا مُسْتَعْمل فِي حَقِيقَته أَيْ: أُقَدِّرُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ خَلْقَ الْحَيَوَانِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فَأَنْفُخُ فِيهِ.

وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى لَفْظِ الطَّيْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٣٦٠] . وَالْكَافُ فِي قَوْلِهِ: كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِمَعْنَى مِثْلِ، وَهِيَ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ أَخْلُقُ، أَيْ شَيْئًا مُقَدَّرًا مِثْلَ هَيْئَةِ الطَّيْرِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ «الطَّيْرَ» وَهُوَ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الْجَمْعِ غَالِبًا وَقَدْ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ. وَقَرَأَهُ أَبُو جَعْفَرٍ «الطَّائِرِ» .