للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَاسِعٌ وَثَوْبٌ وَاسِعٌ، وَيُطْلَقُ الِاتِّسَاعُ وَمَا يُشْتَقُّ مِنْهُ عَلَى وَفَاءِ شَيْءٍ بِالْعَمَلِ الَّذِي يَعْمَلُهُ نَوْعُهُ دُونَ مَشَقَّةٍ يُقَالُ: فُلَانٌ وَاسِعُ الْبَالِ، وَوَاسِعُ الصَّدْرِ، وَوَاسِعُ الْعَطَاءِ. وَوَاسِعُ الْخُلُقِ، فَتَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ أَوْ كَثْرَةِ مَا يُسْنَدُ إِلَيْهِ أَوْ يُوصَفُ بِهِ أَو يعلق بِهِ مِنْ أَشْيَاءَ وَمَعَانٍ، وَشَاعَ ذَلِكَ حَتَّى صَارَ مَعْنًى ثَانِيًا.

وواسِعٌ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ وَأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَهُوَ بِالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لَا مَحَالَةَ لِاسْتِحَالَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فِي شَأْنِهِ تَعَالَى، وَمَعْنَى هَذَا الِاسْمِ عَدَمُ تَنَاهِي التَّعَلُّقَاتِ لِصِفَاتِهِ ذَاتِ التَّعَلُّقِ فَهُوَ وَاسِعُ الْعِلْمِ، وَاسِعُ الرَّحْمَةِ، وَاسِعُ الْعَطَاءِ، فَسِعَةُ صِفَاتِهِ تَعَالَى أَنَّهَا لَا حَدَّ لِتَعَلُّقَاتِهَا، فَهُوَ أَحَقُّ الْمَوْجُودَاتِ بِوَصْفِ وَاسِعٍ، لِأَنَّهُ الْوَاسِعُ الْمُطْلَقُ.

وَإِسْنَادُ وَصْفِ وَاسِعٍ إِلَى اسْمِهِ تَعَالَى إِسْنَادٌ مجازي أَيْضا لأنّ الْوَاسِعُ صِفَاتُهُ وَلِذَلِكَ يُؤْتَى بَعْدَ هَذَا الْوَصْفِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ فِعْلِ السِّعَةِ بِمَا يُمَيِّزُ جِهَةَ السِّعَةِ مِنْ تَمْيِيزٍ نَحْوَ:

وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا، رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا. فَوَصْفُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِأَنَّهُ وَاسِعٌ هُوَ سِعَةُ الْفَضْلِ لِأَنَّهُ وَقَعَ تَذْيِيلًا لِقَوْلِهِ: ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ.

وَأَحْسَبُ أَنَّ وَصْفَ اللَّهِ بِصِفَةِ وَاسِعٍ فِي الْعَرَبِيَّةِ مِنْ مُبْتَكَرَاتِ الْقُرْآنِ.

وَقَوْلُهُ: عَلِيمٌ صفة ثَانِيَة بِقُوَّة عِلْمِهِ أَيْ كَثْرَةِ مُتَعَلِّقَاتِ صِفَةِ عِلْمِهِ تَعَالَى.

وَوَصْفُهُ بِأَنَّهُ عَلِيمٌ هُنَا لِإِفَادَةِ أَنَّهُ عَلِيمٌ بِمَنْ يَسْتَأْهِلُ أَنْ يُؤْتِيَهُ فَضْلَهُ وَيَدُلَّ عَلَى عِلْمِهِ بِذَلِكَ مَا يَظْهَرُ مِنْ آثَارِ إِرَادَتِهِ وَقُدْرَتِهِ الْجَارِيَةِ عَلَى وَفْقِ عِلْمِهِ مَتَى ظَهَرَ لِلنَّاسِ مَا أَوْدَعَهُ اللَّهُ مِنْ فَضَائِلَ فِي بَعْضِ خَلْقِهِ، قَالَ تَعَالَى: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ [الْأَنْعَام: ١٢٤] .

وَجُمْلَةُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ لِجُمْلَةِ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ فَإِنَّ رَحْمَتَهُ بَعْضٌ مِمَّا هُوَ فَضْلُهُ.

وَجُمْلَةُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ تَذْيِيلٌ وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ نَظِيرِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاللَّهُ

يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ

فِي سُورَة الْبَقَرَة [١٠٥] .