للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهُوَ تَنْظِيرٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ بَيْتَ جَرِيرٍ ظَهَرَ مِنْهُ الثُّلُثُ الثَّالِثُ، فَهُمُ الصَّمِيمُ، بِخِلَافِ الْآيَةِ فَإِنَّ بَقِيَّةَ الْآيَاتِ لَمْ يُعْرَفْ. وَيَجُوزُ أَنْ نَجْعَلَ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ إِلَخْ مُتَضَمِّنًا الثَّالِثَةَ مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ.

وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ.

حُكْمٌ أَعْقَبَ بِهِ الِامْتِنَانَ: لِمَا فِي هَذَا الْحُكْمِ مِنَ التَّنْوِيهِ بِشَأْنِ الْبَيْتِ فَلِذَلِكَ حَسُنَ عَطْفُهُ. وَالتَّقْدِيرُ: مُبَارَكًا وَهُدًى، وَوَاجِبًا حَجُّهُ. فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى الْأَحْوَالِ.

وَالْحَجُّ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٩٧] ، وَفِيهِ لُغَتَانِ- فَتْحُ الْحَاءِ وَكَسْرُهَا- وَلَمْ يُقْرَأْ فِي جَمِيعِ مَوَاقِعِهِ فِي الْقُرْآنِ- بِكَسْرِ الْحَاءِ- إِلَّا فِي هَذِهِ الْآيَةِ: قَرَأَ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ- بِكَسْرِ الْحَاءِ-.

وَيَتَّجِهُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ هِيَ الَّتِي فُرِضَ بِهَا الْحَجُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَقَدِ اسْتَدِلَّ بِهَا عُلَمَاؤُنَا عَلَى فَرْضِيَّةِ الْحَجِّ، فَمَا كَانَ يَقَعُ مِنْ حَجِّ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ، قَبْلَ نُزُولِهَا، فَإِنَّمَا كَانَ تَقَرُّبًا إِلَى الله، واستصحابا للحنيفية. وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ مَرَّتَيْنِ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَوَقَفَ مَعَ النَّاسِ. فَأَمَّا إِيجَابُ الْحَجِّ فِي الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ فَلَا دَلِيلَ عَلَى وُقُوعِهِ إِلَّا هَذِهِ الْآيَةَ وَقَدْ تَمَالَأَ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى وُجُوبِ الْحَجِّ، فَلَا يُعَدُّ مَا وَقَعَ مِنَ الْحَجِّ قَبْلَ نُزُولِهَا، وَبَعْدَ الْبَعْثَةِ إِلَّا تَحَنُّثًا وَتَقَرُّبًا، وَقَدْ صَحَّ أَنَّهَا نَزَلَتْ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، عَقِبَ غَزْوَةِ أُحُدٍ، فَيَكُونُ الْحَجُّ فُرِضَ يَوْمَئِذٍ. وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ الِاخْتِلَافَ فِي وَقْتِ فَرْضِيَّةِ الْحَجِّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَقِيلَ: سَنَةَ خَمْسٍ، وَقِيلَ: سَنَةَ سَبْعٍ، وَقِيلَ: سَنَةَ تِسْعٍ، وَلَمْ يَعْزُ الْأَقْوَالَ إِلَى أَصْحَابِهَا، سِوَى أَنَّهُ ذَكَرَ عَنِ ابْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ الْوَاقِدِيِّ أَنَّهُ فُرِضَ