للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِتَنْفِيذِ ذَلِكَ، فَإِذَا قَامَ بِهِ الْعَدَدُ الْكَافِي مِمَّنْ فِيهِمُ الشُّرُوطُ سَقَطَ التَّكْلِيفُ عَنِ الْبَاقِينَ، وَإِذَا لَمْ يَقُومُوا بِهِ كَانَ الْإِثْمُ عَلَى الْبَلَدِ أَوِ الْقَبِيلَةِ، لِسُكُوتِ جَمِيعِهِمْ، وَلِتَقَاعُسِ الصَّالِحِينَ لِلْقِيَامِ بِذَلِكَ، مَعَ سُكُوتِهِمْ أَيْضًا ثُمَّ إِذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ فَإِنَّمَا يُثَابُ الْبَعْضُ خَاصَّةً.

وَمَعْنَى الدُّعَاءِ إِلَى الْخَيْرِ الدُّعَاءُ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَبَثُّ دَعْوَة النّبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ الْخَيْرَ اسْمٌ يَجْمَعُ خِصَالَ الْإِسْلَامِ: فَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ» الْحَدِيثَ، وَلِذَلِكَ يَكُونُ عَطْفُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ عَلَيْهِ مِنْ عَطْفِ الشَّيْءِ عَلَى مُغَايِرِهِ، وَهُوَ أَصْلُ الْعَطْفِ. وَقِيلَ: أُرِيدَ بِالْخَيْرِ مَا يَشْمَلُ جَمِيعَ الْخَيْرَاتِ، وَمِنْهَا الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَيَكُونُ الْعَطْفُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ.

وَحُذِفَتْ مَفَاعِيلُ يَدْعُونَ وَيَأْمُرُونَ وَيَنْهَوْنَ لِقَصْدِ التَّعْمِيمِ أَيْ يَدْعُونَ كُلَّ أَحَدٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ [يُونُس: ٢٥] .

وَالْمَعْرُوفُ هُوَ مَا يُعْرَفُ وَهُوَ مَجَازٌ فِي الْمَقْبُولِ الْمَرْضِيِّ بِهِ، لِأَنَّ الشَّيْءَ إِذَا كَانَ مَعْرُوفًا كَانَ مَأْلُوفًا مَقْبُولًا مَرْضِيًّا بِهِ، وَأُرِيدَ بِهِ هُنَا مَا يُقْبَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعُقُولِ، وَفِي الشَّرَائِعِ، وَهُوَ الْحَقُّ وَالصَّلَاحُ، لِأَنَّ ذَلِكَ مَقْبُولٌ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْعَوَارِضِ.

وَالْمُنْكَرُ مَجَازٌ فِي الْمَكْرُوهِ، وَالْكُرْهُ لَازِمٌ للإنكار لأنّ النكر فِي أَصْلِ اللِّسَانِ هُوَ الْجَهْلُ وَمِنْهُ تَسْمِيَةُ غَيْرِ الْمَأْلُوفِ نَكِرَةً، وَأُرِيدَ بِهِ هُنَا الْبَاطِلُ وَالْفَسَادُ، لِأَنَّهُمَا مِنَ الْمَكْرُوهِ فِي الْجِبِلَّةِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْعَوَارِضِ.

وَالتَّعْرِيفُ فِي (الْخَيْرِ- وَالْمَعْرُوف- وَالْمُنكر) تَعْرِيفُ الِاسْتِغْرَاقِ، فَيُفِيدُ الْعُمُومَ فِي الْمُعَامَلَاتِ بِحَسْبِ مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ الْعِلْمُ وَالْمَقْدِرَةُ فَيُشْبِهُ الِاسْتِغْرَاقَ الْعُرْفِيَّ.

وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ عَيَّنَ جَعْلَ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ لِلْبَيَانِ،