للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَأَقْبَلَ أَقْوَامٌ لِئَامٌ أَذِلَّةٌ ... يَعَضُّونَ من غيظ رُؤُوس الْأَبَاهِمِ

وَقَوْلُهُ: عَلَيْكُمُ عَلَى فِيهِ لِلتَّعْلِيلِ، وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ ضَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ مِنْ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالذَّاتِ بِتَقْدِيرِ حَالَةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَيْ عَلَى الْتِئَامِكُمْ وَزَوَالِ الْبَغْضَاءِ، كَمَا فَعَلَ شَاسُ بْنُ قَيْسٍ الْيَهُودِيُّ فَنَزَلَ فِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ [آل عمرَان: ١٠٠] ، وَنَظِيرُ هَذَا التَّعْلِيقِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

لِتَقْرَعِنَّ عَلَى السِّنِّ مِنْ نَدَمٍ ... إِذَا تَذَكَّرْتِ يَوْمًا بَعْضَ أَخْلَاقِي

ومِنَ الْغَيْظِ (مِنْ) لِلتَّعْلِيلِ. وَالْغَيْظُ: غَضَبٌ شَدِيدٌ يُلَازِمُهُ إِرَادَةُ الِانْتِقَامِ.

وَقَوْلُهُ: قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ كَلَامٌ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ مُخَاطَبُونَ مُعَيَّنُونَ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ عَلَى الَّذِينَ يَعَضُّونَ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ، وَهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ إِذَا خَلَوْا، فَلَا يُتَصَوَّرُ مُشَافَهَتُهُمْ بِالدُّعَاءِ عَلَى التَّعْيِينِ وَلَكِنَّهُ كَلَامٌ قُصِدَ إِسْمَاعُهُ لِكُلِّ مَنْ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ الِاتِّصَافَ بِالْغَيْظِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْخِطَابِ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ عُمُومُ كُلِّ مُخَاطَبٍ نَحْوَ: وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ [السَّجْدَة: ١٢] .

وَالدُّعَاءُ عَلَيْهِمْ بِالْمَوْتِ بِالْغَيْظِ صَرِيحُهُ طَلَبُ مَوْتِهِمْ بِسَبَبِ غَيْظِهِمْ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ مُلَازَمَةِ الْغَيْظِ لَهُمْ طُولَ حَيَاتِهِمْ إِنْ طَالَتْ أَوْ قَصُرَتْ، وَذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ دَوَامِ سَبَبِ غَيْظِهِمْ، وَهُوَ حُسْنُ حَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَانْتِظَامُ أَمْرِهِمْ، وَازْدِيَادُ خَيْرِهِمْ، وَفِي هَذَا الدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ بِلُزُومِ أَلَمِ الْغَيْظِ لَهُمْ، وَبِتَعْجِيلِ مَوْتِهِمْ بِهِ، وَكُلٌّ مِنَ الْمَعْنَيَيْنِ الْمُكَنِّي بِهِمَا مُرَادٌ هُنَا، وَالتَّكَنِّي بِالْغَيْظِ وَبِالْحَسَدِ عَنْ كَمَالِ الْمُغِيظِ مِنْهُ الْمَحْسُودِ مَشْهُورٌ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: فُلَانٌ مُحَسَّدٌ، أَيْ هُوَ فِي حَالَةِ نِعْمَةٍ وَكَمَالٍ.

إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ.

تَذْيِيلٌ لِقَوْلِهِ: عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ وَمَا بَيْنَهَا كَالِاعْتِرَاضِ أَيْ أَنَّ اللَّهَ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِمْ وَهُوَ مُطْلِعُكَ عَلَى دَخَائِلِهِمْ.