الدَّلَالَةُ عَلَى تَكْرِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُمْ بِأَنْ بَشَّرَهُمْ بُشْرَى لِأَجْلِهِمْ كَمَا فِي التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشَّرْح: ١] .
وَالْبُشْرَى اسْمٌ لِمَصْدَرِ بَشَّرَ كَالرُّجْعَى، وَالْبُشْرَى خَبَرٌ بِحُصُولِ مَا فِيهِ نَفْعٌ وَمَسَرَّةٌ لِلْمُخْبَرِ بِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمَّا وَعَدَهُمْ بِالنَّصْرِ أَيْقَنُوا بِهِ فَكَانَ فِي تَبْيِينِ سَبَبِهِ وَهُوَ الْإِمْدَادُ بِالْمَلَائِكَةِ طَمْأَنَةٌ لِنُفُوسِهِمْ لِأَنَّ النُّفُوسَ تَرْكَنُ إِلَى الصُّوَرِ الْمَأْلُوفَةِ.
وَالطَّمْأَنَةُ وَالطُّمَأْنِينَةُ: السُّكُونُ وَعَدَمُ الِاضْطِرَابِ، وَاسْتُعِيرَتْ هُنَا لِيَقِينِ النَّفْسِ بِحُصُولِ الْأَمْرِ تَشْبِيهًا لِلْعِلْمِ الثَّابِتِ بِثَبَاتِ النَّفْسِ أَيْ عَدَمِ اضْطِرَابِهَا، وَتَقَدَّمَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي- فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٦٠]-.
وَعُطِفَ وَلِتَطْمَئِنَّ عَلَى بُشْرى فَكَانَ دَاخِلًا فِي حَيِّزِ الِاسْتِثْنَاءِ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءً مِنْ عِلَلٍ، أَيْ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ لِأَجْلِ شَيْءٍ إِلَّا لِأَجْلِ أَنْ تَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ.
وَجُمْلَةُ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَذْيِيلٌ أَيْ كُلُّ نَصْرٍ هُوَ مِنْ اللَّهِ لَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ. وَإِجْرَاءُ وَصْفَيِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ هُنَا لِأَنَّهُمَا أَوْلَى بِالذِّكْرِ فِي هَذَا الْمَقَامِ، لِأَنَّ الْعَزِيزَ يَنْصُرُ مَنْ يُرِيدُ نَصْرَهُ، وَالْحَكِيمُ يَعْلَمُ مَنْ يَسْتَحِقُّ نَصْرَهُ وَكَيْفَ يُعْطَاهُ.
وَقَوْلُهُ: لِيَقْطَعَ طَرَفاً متعلّق ب (النّصر) بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عِلَّةٌ لِبَعْضِ أَحْوَالِ النَّصْرِ، أَيْ لِيَقْطَعَ يَوْمَ بَدْرٍ طَرَفًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
وَالطَّرَفُ- بِالتَّحْرِيكِ- يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى النَّاحِيَةِ، وَيُخَصُّ بِالنَّاحِيَةِ الَّتِي هِيَ مُنْتَهَى الْمَكَانِ، قَالَ أَبُو تَمَّامٍ:
كَانَتْ هِيَ الْوَسَطَ الْمَحْمِيَّ فَاتَّصَلَتْ ... بِهَا الْحَوَادِثُ حَتَّى أَصْبَحَتْ طَرَفَا
فَيَكُونُ اسْتِعَارَةً لِطَائِفَةٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها [الرَّعْد: ٤١] وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْجُزْءِ الْمُتَطَرِّفِ مِنَ الْجَسَدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute