وَهَذَا كَقَوْلِ إِيَاسِ بْنِ قَبِيصَةَ الطَّائِيِّ.
وَأَقْبَلْتُ والخطي يخْطر بَينا ... لِأَعْلَمَ مَنْ جَبَانُهَا مِنْ شُجَاعِهَا
أَيْ لِيَظْهَرَ الْجَبَانُ وَالشُّجَاعُ فَأُطْلِقَ الْعَلَمُ وَأُرِيدَ مَلْزُومُهُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ قَوْلَهُ: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ تَمْثِيلًا أَيْ فِعْلُ ذَلِكَ فِعْلُ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَعْلَمَ وَإِلَيْهِ مَالَ فِي «الْكَشَّافِ» ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْعِلَّةُ هِيَ تَعَلُّقُ عِلْمِ اللَّهِ بِالْحَادِثِ وَهُوَ تَعَلُّقٌ حَادِثٌ، أَيْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مَوْجُودِينَ. قَالَه الْبَيْضَاوِيّ والتفتازانيّ فِي «حَاشِيَةِ الْكَشَّافِ» . وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: الَّذِينَ آمَنُوا ظَاهِرُهُ أَيْ لِيَعْلَمَ مَنِ اتَّصَفَ بِالْإِيمَانِ، تَعَيَّنَ التَّأْوِيلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَا لِأَجْلِ لُزُومِ حُدُوثِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ لِأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ أُحُدٍ حَاصِلٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَمَسَّهُمُ الْقَرْحِ، فَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَرَادَ الْعِلْمَ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَهُوَ ثَبَاتُهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ، وَعَدَمُ تزلزلهم فِي حَال الشدّة، وَأَشَارَ التفتازانيّ إِلَى أَنَّ تَأْوِيلَ صَاحِبِ «الْكَشَّافِ» ذَلِكَ بِأَنَّهُ وَارِدٌ مورد التَّمْثِيل، نَاظر إِلَى كَوْنِ الْعِلْمِ بِالْمُؤْمِنِينَ حَاصِلًا مِنْ قَبْلُ، لَا لِأَجْلِ التَّحَرُّزِ عَنْ لُزُومِ حُدُوثِ الْعِلْمِ.
وَقَوْلُهُ: وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ عَطْفٌ عَلَى الْعِلَّةِ السَّابِقَةِ. وَجَعَلَ الْقَتْلَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ اتِّخَاذِ الْقَتْلَى شُهَدَاءَ عِلَّةً مِنْ عِلَلِ الْهَزِيمَةِ، لِأَنَّ كَثْرَةَ الْقَتْلَى هِيَ الَّتِي أَوْقَعَتِ
الْهَزِيمَةَ.
وَالشُّهَدَاءُ هُمُ الَّذِينَ قُتِلُوا يَوْمَ أُحُدٍ، وَعَبَّرَ عَنْ تَقْدِير الشَّهَادَة لَهُم بِالِاتِّخَاذِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ فَضِيلَةٌ مِنَ اللَّهِ، وَاقْتِرَابٌ مِنْ رِضْوَانِهِ، وَلِذَلِكَ قُوبِلَ بِقَوْلِهِ: وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ أَيِ الْكَافِرِينَ فَهُوَ فِي جَانِبِ الْكُفَّارِ، أَيْ فَقَتْلَاكُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ [التَّوْبَة: ٥٢] .
والتّمحيص: التنقية والتخليص مِنَ الْعُيُوبِ. وَالْمَحْقُ: الْإِهْلَاكُ. وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى مَسَّ الْقَرْحِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكُفَّارَ فَاعِلًا فِعْلًا وَاحِدًا: هُوَ فَضِيلَةٌ فِي جَانِبِ الْمُؤْمِنِينَ، وَرَزِيَّةٌ فِي جَانِبِ الْكَافِرِينَ، فَجَعَلَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ تَمْحِيصًا وَزِيَادَةً فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute