للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَيَعْقُوبُ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ: (قُتِلَ) بِصِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَجْهُولِ، وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ، وَحَمْزَةُ، وَعَاصِمٌ، وَالْكِسَائِيُّ، وَخَلَفٌ، وَأَبُو جَعْفَرٍ:

(قَاتَلَ) بِصِيغَةِ الْمُفَاعَلَةِ فَعَلَى قِرَاءَةِ (قُتِلَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ- فَمَرْفُوعُ الْفِعْلِ هُوَ ضَمِيرُ نَبِيءٍ، وَعَلَى كِلْتَا الْقِرَاءَتَيْنِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعُ الْفِعْلَيْنِ ضَمِيرَ نَبِيءٍ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: مَعَهُ رِبِّيُّونَ

جُمْلَةً حَالِيَّةً مِنْ (نَبِيءٍ) وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعُ الْفِعْلَيْنِ لِفْظُ (رِبِّيُّونَ) فَيَكُونُ قَوْلُهُ (مَعَهُ) حَالًا مِنْ (رِبِّيُّونَ) مُقَدَّمًا.

وَجَاءَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى هَذَا النَّظْمِ الْبَدِيعِ الصَّالِحِ لِحَمْلِ الْكَلَامِ عَلَى تَثْبِيتِ الْمُسْلِمِينَ فِي حَالِ الْهَزِيمَةِ وَفِي حَالِ الْإِرْجَافِ بِقَتْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي مَوْقِعِ جُمْلَةِ مَعَهُ رِبِّيُّونَ يَخْتَلِفُ حُسْنُ الْوَقْفِ عَلَى كَلِمَةِ (قُتِلَ) أَوْ عَلَى كلمة (كثير) .

و (الرّبيّون) جَمْعُ رِبِّيٍّ وَهُوَ الْمُتَّبِعُ لِشَرِيعَةِ الرَّبِّ مِثْلُ الرَّبَّانِيِّ، وَالْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا أَتْبَاعُ الرُّسُلِ وَتَلَامِذَةُ الْأَنْبِيَاءِ. وَيَجُوزُ فِي رَائِهِ الْفَتْحُ، عَلَى الْقِيَاسِ، وَالْكَسْرُ، عَلَى أَنَّهُ مِنْ تَغْيِيرَاتِ النَّسَبِ وَهُوَ الَّذِي قرىء بِهِ فِي الْمُتَوَاتِرِ.

وَمَحَلُّ الْعِبْرَةِ هُوَ ثَبَاتُ الرَّبَّانِيِّينَ عَلَى الدِّينِ مَعَ مَوْتِ أَنْبِيَائِهِمْ وَدُعَاتِهِمْ.

وَقَوْلُهُ: كَثِيرٌ صِفَةُ رِبِّيُّونَ وَجِيءَ بِهِ عَلَى صِيغَةِ الْإِفْرَادِ، مَعَ أَنَّ الْمَوْصُوفَ جَمْعٌ، لِأَنَّ لَفْظَ كَثِيرٌ وَقَلِيل يُعَامل موصوفهما مُعَامَلَةَ لِفَظِ شَيْءٍ أَوْ عَدَدٍ، قَالَ تَعَالَى:

وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً [النِّسَاء: ١] وَقَالَ: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ [الْبَقَرَة: ١٠٩] وَقَالَ: اذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ [الْأَنْفَال: ٢٦] وَقَالَ: إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً [الْأَنْفَال: ٤٣] .

وَقَوْلُهُ: فَما وَهَنُوا أَيِ الرِّبِّيُّونَ إِذْ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يَهِنُونَ فَالْقُدْوَةُ الْمَقْصُودَةُ هُنَا، هِيَ الِاقْتِدَاءُ بِأَتْبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ، أَيْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَتْبَاعُ مَنْ مَضَى مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، أَجْدَرَ بِالْعَزْمِ مِنْ أَتْبَاعِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَجَمَعَ بَيْنَ الْوَهَنِ وَالضَّعْفِ، وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ تَقَارُبًا قَرِيبًا مِنَ التَّرَادُفِ فَالْوَهَنُ قِلَّةُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعَمَلِ، وَعَلَى النُّهُوضِ فِي الْأَمْرِ، وَفِعْلُهُ كَوَعَدَ وَوَرِثَ