للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَاوَدَتْهمُ صِفَاتُهُمْ، (وَتَأْبَى الطِّبَاعُ عَلَى النَّاقِلِ) . فَقَوْلُهُ: سَنُلْقِي أَيْ إِلْقَاءَ إِعَادَةِ الصِّفَةِ إِلَى النُّفُوسِ، وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ السِّينَ فِيهِ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ أَيْ أَلْقَيْنَا وَنُلْقِي، وَيَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ.

وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ ذَكَرُوا أَنَّ هَذَا الرُّعْبَ كَانَتْ لَهُ مَظَاهِرُ: مِنْهَا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا انْتَصَرُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَانَ فِي مُكْنَتِهِمْ أَنْ يُوغِلُوا فِي اسْتِيصَالِهِمْ إِلَّا أَنَّ الرُّعْبَ صَدَّهُمْ عَنْ ذَلِك، لأنّهم خَافُوا أَن تعود عَلَيْهِم الْهَزِيمَة، وتدور عَلَيْهِم الدائرة، وَمِنْهَا أنّهم لَمَّا انْصَرَفُوا قَاصِدِينَ الرُّجُوعَ إِلَى مَكَّةَ عَنَّ لَهُمْ فِي الطَّرِيقِ نَدَمٌ، وَقَالُوا: لَوْ رَجَعْنَا فَاقْتَفَيْنَا آثَارَ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، فَإِنَّا قَتَلْنَاهُمْ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْفَلُّ وَالطَّرِيدُ، فَلْنَرْجِعْ إِلَيْهِمْ حَتَّى نَسْتَأْصِلَهُمْ، وَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَدَبَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى لِقَائِهِمْ، فَانْتَدَبُوا، وَكَانُوا فِي غَايَةِ الضَّعْفِ وَمُثْقَلِينَ بِالْجِرَاحَةِ، حَتَّى قِيلَ: إِنَّ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ كَانَ يَحْمِلُ الْآخَرَ ثُمَّ يَنْزِلُ الْمَحْمُولُ فَيَحْمِلُ الَّذِي

كَانَ حَامِلَهُ، فَقَيَّضَ اللَّهُ مَعْبَدَ بْنَ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيَّ وَهُوَ كَافِرٌ فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ:

«إِنَّ خُزَاعَةَ قَدْ سَاءَهَا مَا أَصَابَكَ وَلَوَدِدْنَا أَنَّكَ لَمْ تُرْزَأْ فِي أَصْحَابِكَ» ثُمَّ لَحِقَ مَعْبَدٌ بِقُرَيْشٍ فَأَدْرَكَهُمْ بِالرَّوْحَاءِ قَدْ أَجْمَعُوا الرَّجْعَةَ إِلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ: مَا وَرَاءَكَ يَا مَعْبَدُ، قَالَ: مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ قَدْ خَرَجُوا يَطْلُبُونَكُمْ فِي جَمْعٍ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَطُّ، يَتَحَرَّقُونَ عَلَيْكُمْ، قَدِ اجْتَمَعَ مَعَهُ مَنْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْهُ، فَقَالَ: وَيْلَكَ، مَا تَقُولُ؟! قَالَ: مَا أَرَى أَنَّكَ تَرْتَحِلُ حَتَّى تَرَى نَوَاصِيَ الْخَيْلِ وَلَقَدْ حَمَلَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْهُ عَلَى أَنْ قُلْتُ فِيهِ:

كَادَتْ تُهَدُّ مِنَ الْأَصْوَاتِ رَاحِلَتِي ... إِذْ سَالَتِ الْأَرْضُ بِالْجُرْدِ الْأَبَابِيلِ

تَرْدِي بِأَسْدٍ كِرَامٍ لَا تَنَابِلَةٍ ... عِنْدَ اللِّقَاءِ وَلَا مَيْلٍ مَعَازِيلِ

فَظَلْتُ أَعْدُو وأظنّ الْأَرْضَ مَائِلَةً ... لَمَّا سَمَوْا بِرَئِيسٍ غَيْرِ مَخْذُولِ

فَوَقَعَ الرُّعْبُ فِي قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ وَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ: لَا تَرْجِعُوا فَإِنِّي أَرَى أَنَّهُ سَيَكُونُ لِلْقَوْمِ قِتَالٌ غَيْرُ الَّذِي كَانَ.