(١٥٣)
إِذْ تُصْعِدُونَ متعلّق بقوله: ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ [آل عمرَان: ١٥٢] أَيْ دَفَعَكُمْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ حِينَ أَنْتُمْ مُصْعِدُونَ.
وَالْإِصْعَادُ: الذَّهَابُ فِي الْأَرْضِ لِأَنَّ الْأَرْضَ تُسَمَّى صَعِيدًا، قَالَ جَعْفَرُ بْنُ عُلْبَةَ:
هَوَايَ مَعَ الرَّكْبِ الْيَمَانِينَ مُصْعِدٌ وَالْإِصْعَادُ أَيْضًا السَّيْرُ فِي الْوَادِي، قَالَ قَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ: أَصْعِدُوا يَوْمَ أُحُدٍ فِي الْوَادِي.
وَالْمَعْنَى: تَفِرُّونَ مُصْعِدِينَ، كَأَنَّهُ قِيلَ: تَذْهَبُونَ فِي الْأَرْضِ أَي فِرَارًا، ف إِذْ) ظَرْفٌ لِلزَّمَانِ الَّذِي عَقِبَ صَرْفَ اللَّهِ إِيَّاهُمْ وَكَانَ مِنْ آثَارِهِ.
وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ أَيْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. وَاللَّيُّ مَجَازٌ بِمَعْنَى الرَّحْمَةِ وَالرِّفْقُ مِثْلُ الْعَطْفِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، فَالْمَعْنَى وَلَا يَلْوِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ فَأُوجِزَ بِالْحَذْفِ، وَالْمُرَادُ عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ، يَعْنِي: فَرَرْتُمْ لَا يَرْحَمُ أَحَدٌ أَحَدًا وَلَا يَرْفُقُ بِهِ، وَهَذَا تَمْثِيلٌ لِلْجِدِّ فِي الْهُرُوبِ حَتَّى إِنَّ الْوَاحِدَ لِيَدُوسَ الْآخَرَ لَوْ تَعَرَّضَ فِي طَرِيقِهِ.
وَجُمْلَةُ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ حَالٌ، وَالْأُخْرَى آخِرُ الْجَيْشِ أَيْ مِنْ وَرَائِكُمْ. وَدُعَاءُ الرَّسُولِ دُعَاؤُهُ إِيَّاهُمْ لِلثَّبَاتِ وَالرُّجُوعِ عَنِ الْهَزِيمَةِ، وَهَذَا هُوَ دُعَاءُ الرَّسُولِ النَّاسَ بِقَوْلِهِ: «إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ مَنْ يَكُرُّ فَلَهُ الْجَنَّةُ» .
وَقَوْلُهُ: فَأَثابَكُمْ غَمًّا إِنْ كَانَ ضَمِيرُ فَأَثابَكُمْ ضَمِيرَ اسْمِ الْجَلَالَةِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَالْمُوَافِقُ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ [آل عمرَان: ١٥٤] فَهُوَ عَطْفٌ على صَرَفَكُمْ [آل عمرَان: ١٥٢] أَيْ تَرَتَّبَ عَلَى الصَّرْفِ إِثَابَتُكُمْ. وَأَصْلُ الْإِثَابَةِ إِعْطَاءُ الثَّوَابِ
وَهُوَ شَيْءٌ يَكُونُ جَزَاءً عَلَى عَطَاءٍ أَوْ فِعْلٍ. وَالْغَمُّ لَيْسَ بِخَيْرٍ، فَيَكُونُ أَثَابَكُمْ إِمَّا اسْتِعَارَةً تَهَكُّمِيَّةً كَقَوْلِ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ:
قَرَيْنَاكُمْ فَعَجَّلْنَا قِرَاكُمْ ... قبيل الصُّبْح مُرَادة طَحُونًا
أَيْ جَازَاكُمُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ الْإِصْعَادِ الْمُقَارِنِ لِلصَّرْفِ أَنْ أَثَابَكُمْ غَمًّا أَيْ قَلَقًا لَكُمْ فِي نُفُوسِكُمْ، وَالْمُرَادُ أَنْ عَاقَبَكُمْ بِغَمٍّ كَقَوْلِهِ: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ [آل عمرَان: ٢١]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute