للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هُوَ إِيقَاعُ جِسْمٍ عَلَى جِسْمٍ وَقَرْعُهُ بِهِ، فَالسَّيْرُ ضَرْبٌ فِي الْأَرْضِ بِالْأَرْجُلِ، فَأُطْلِقَ عَلَى السَّفَرِ لِلتِّجَارَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [المزمل: ٢٠] ، وَعَلَى مُطْلَقِ السَّفَرِ كَمَا هُنَا، وَعَلَى السَّفَرِ لِلْغَزْوِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا [النِّسَاء: ٩٤] وَقَوْلُهُ: وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ [النِّسَاء: ١٠١] وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا السَّفَرُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي يَلُومُهُمْ عَلَيْهِ الْكُفَّارُ، وَقِيلَ: أُرِيدَ بِالضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ التِّجَارَةُ.

وَعَلَيْهِ يَكُونُ قَرْنُهُ مَعَ الْقَتْلِ فِي الْغَزْوِ لِكَوْنِهِمَا كَذَلِكَ فِي عَقِيدَةِ الْكُفَّارِ.

وغُزًّى جَمْعُ غَازٍ. وَفُعَّلٌ قَلِيلٌ فِي جَمْعِ فَاعِلٍ النَّاقِصِ. وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ فَصِيحٌ.

وَنَظِيرُهُ عُفًّى فِي قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:

لَهَا قُلُبٌ عُفَّى الْحِيَاضِ أُجُونُ وَقَوْلُهُ: لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ عِلَّةٌ لِ (قَالُوا) بِاعْتِبَارِ مَا يَتَضَمَّنُهُ مِنَ اعْتِقَادِ ذَلِكَ مَعَ الْإِعْلَانِ بِهِ تَوْجِيهًا لِلنَّهْيِ عَنِ التَّشْبِيهِ بِهِمْ أَيْ فَإِنَّكُمْ إِنِ اعْتَقَدْتُمُ اعْتِقَادَهُمْ لَحِقَكُمْ أَثَرُهُ كَمَا لَحِقَهُمْ، فَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (ذَلِكَ) إِلَى الْقَوْلِ الدَّالِّ عَلَى الِاعْتِقَادِ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَالتَّعْلِيلُ خَارِجٌ عَنِ التَّشْبِيهِ. وَقِيلَ: اللَّامُ لَامُ الْعَاقِبَةِ، أَيْ: لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ

قَالُوا فَتَرَتَّبَ عَلَى قَوْلِهِمْ أَنْ كَانَ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: لِيَجْعَلَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ صِلَةِ (الَّذِينَ) ، وَمِنْ جملَة الْأَحْوَال المشبّه بِهَا، فَيُعْلَمُ أَنَّ النّهي عَن التّشبّه بِهِمْ فِيهَا لِمَا فِيهَا مِنَ الضُّرِّ.

وَالْحَسْرَةُ: شِدَّةُ الْأَسَفِ أَيِ الْحُزْنِ، وَكَانَ هَذَا حَسْرَةً عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ تَوَهَّمُوا أَنَّ مُصَابَهُمْ نَشَأَ عَنْ تَضْيِيعِهِمُ الْحَزْمَ، وَأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا سَلَكُوا غَيْرَ مَا سَلَكُوهُ لَنَجَوْا فَلَا يَزَالُونَ متلهّفين على مافتهم. وَالْمُؤْمِنُ يَبْذُلُ جُهْدَهُ فَإِذَا خَابَ سَلَّمَ لِحُكْمِ الْقَدَرِ.