فَذَكَرَ أَنَّهُ حَرَسَ الْحَيَّ عَلَى مَكَانٍ مُرْتَقَبٍ، أَيْ عَالٍ بِرَبْطِ فَرَسِهِ فِي الثَّغْرِ. وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُرَابِطُونَ فِي ثُغُورِ بِلَادِ فَارِسٍ وَالشَّامِ وَالْأَنْدَلُسِ فِي الْبَرِّ، ثُمَّ لَمَّا اتَّسَعَ سُلْطَانُ الْإِسْلَامِ وَامْتَلَكُوا الْبِحَارَ صَارَ الرِّبَاطُ فِي ثغور البخار وَهِيَ الشُّطُوطُ الَّتِي يُخْشَى نُزُولُ الْعَدُوِّ مِنْهَا: مِثْلَ رِبَاطِ الْمِنِسْتِيرِ بِتُونِسَ بِإِفْرِيقِيَّةَ، وَرِبَاطِ سَلَا بِالْمَغْرِبِ، وَرُبُطِ تُونِسَ وَمَحَارِسِهَا: مِثْلِ مَحْرَسِ عَلِيِّ بْنِ سَالِمٍ قُرْبَ صَفَاقِسَ. فَأَمَرَ اللَّهُ بِالرِّبَاطِ كَمَا أَمَرَ بِالْجِهَادِ بِهَذَا الْمَعْنَى وَقَدْ خُفِيَ عَلَى بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ: وَرابِطُوا إِعْدَادَ الْخَيْلِ مَرْبُوطَةً لِلْجِهَادِ، قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوٌ فِي الثُّغُورِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
أَرَادَ بِقَوْلِهِ: وَرابِطُوا انْتِظَارَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الَّتِي قَبْلَهَا، لِمَا
رَوَى مَالِكٌ فِي «الْمُوَطَّأِ» ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ انْتِظَارَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَقَالَ: «فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ، فذلكم الرِّبَاط، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ»
. وَنُسِبَ هَذَا لِأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالْحَقُّ أَنَّ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى التَّشْبِيهِ، كَقَوْلِهِ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ» وَقَوْلِهِ:
«لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِهَذَا الطَّوَّافِ الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ» ، أَيْ
وَكَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَجَعْنَا مِنَ
الْجِهَادِ الْأَصْغَرِ إِلَى الْجِهَادِ الْأَكْبَرِ»
. وَأَعْقَبَ هَذَا الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ بِالتَّقْوَى لِأَنَّهَا جُمَّاعُ الْخَيْرَاتِ وَبِهَا يُرْجَى الْفَلَاحُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute