للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَتَتْرُكُوا الْحَلَالَ أَيْ لَوِ اهْتَمَمْتُمْ بِإِنْتَاجِ أَمْوَالِكُمْ وَتَوْفِيرِهَا بِالْعَمَلِ وَالتَّجْرِ لَكَانَ لَكُمْ مِنْ خِلَالِهَا مَا فِيهِ غُنْيَةٌ عَنِ الْحَرَامِ، فَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُنَا هُوَ ضِدُّ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ قَبْلُ تَأْكِيدًا لِلْأَمْرِ، وَلَكِنَّ النَّهْيَ بَيَّنَ مَا فِيهِ مِنَ الشَّنَاعَةِ إِذَا لَمْ يُمْتَثَلِ الْأَمْرُ، وَهَذَا الْوَجْه ينبىء عَن جعل التبدّل مَجَازًا وَالْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ كَذَلِكَ، وَلَا يَنْبَغِي حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى وَهَذَا الِاسْتِعْمَالِ. وَعَنِ السُّدِّيِّ مَا يَقْتَضِي خِلَافَ هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ.

وَقَوْلُهُ: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ نَهْيٌ ثَالِثٌ عَنْ أَخْذِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَضَمِّهَا إِلَى أَمْوَالِ أَوْلِيَائِهِمْ، فَيَنْتَسِقُ فِي الْآيَةِ أَمْرٌ وَنَهْيَانِ: أُمِرُوا أَنْ لَا يَمْنَعُوا الْيَتَامَى مِنْ مَوَارِيثِهِمْ ثُمَّ نُهُوا عَنِ اكْتِسَابِ الْحَرَامِ، ثُمَّ نُهُوا عَنِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى أَمْوَالِهِمْ أَوْ بَعْضِهَا، وَالنَّهْيُ وَالْأَمْرُ الْأَخِيرُ تَأْكِيدَانِ لِلْأَمْرِ الْأَوَّلِ.

وَالْأَكْلُ اسْتِعَارَةٌ لِلِانْتِفَاعِ الْمَانِعِ مِنَ انْتِفَاعِ الْغَيْرِ وَهُوَ الْمِلْكُ التَّامُّ، لِأَنَّ الْأَكْلَ هُوَ أَقْوَى أَحْوَالِ الِاخْتِصَاصِ بِالشَّيْءِ لِأَنَّهُ يُحْرِزُهُ فِي دَاخِلِ جَسَدِهِ، وَلَا مَطْمَعَ فِي إِرْجَاعِهِ، وَضَمَّنَ تَأْكُلُوا مَعْنَى تَضُمُّوا فَلذَلِك عدي بإلى أَيْ: لَا تَأْكُلُوهَا بِأَنْ تَضُمُّوهَا إِلَى أَمْوَالِكُمْ.

وَلَيْسَ قَيْدُ إِلى أَمْوالِكُمْ مَحَطَّ النَّهْيِ، بَلِ النَّهْي وَاقع على أَكْلِ أَمْوَالِهِمْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ لِلْآكِلِ مَالٌ يَضُمُّ إِلَيْهِ مَالَ يَتِيمِهِ أَمْ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ وُجُودَ أَمْوَالٍ لِلْأَوْصِيَاءِ، وَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى التَّكَثُّرَ، ذَكَرَ هَذَا الْقَيْدَ رَعْيًا لِلْغَالِبِ، وَلِأَنَّهُ أُدْخِلَ فِي النَّهْيِ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّشْنِيعِ عَلَيْهِمْ حَيْثُ يَأْكُلُونَ حُقُوقَ النَّاسِ مَعَ أَنَّهُمْ أَغْنِيَاءُ عَلَى أَنَّ التَّضْمِينَ لَيْسَ مِنَ التَّقْيِيدِ بَلْ هُوَ قَائِمٌ مَقَامَ نَهْيَيْنِ، وَلِذَلِكَ رُوِيَ: أَنَّ الْمُسْلِمِينَ تَجَنَّبُوا بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ مُخَالَطَةَ أَمْوَالِ الْيَتَامَى فَنَزَلَتْ آيَةُ الْبَقَرَةِ [٢٢٠] : وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ

فَقَدْ فَهِمُوا أَنَّ ضَمَّ مَالِ الْيَتِيمِ إِلَى مَالِ الْوَصِيِّ حَرَامٌ، مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مَشْمُولًا لِلنَّهْيِ عَنِ الْأَكْلِ وَلَكِنْ لِلنَّهْيِ عَنِ الضَّمِّ. وَهُمَا فِي فَهْمِ الْعَرَبِ نَهْيَانِ، وَلَيْسَ هُوَ نَهْيًا عَنْ أَكْلِ الْأَغْنِيَاءِ أَمْوَالَ الْيَتَامَى حَتَّى يَكُونَ النَّهْيُ عَنْ أَكْلِ الْفُقَرَاءِ ثَابِتًا بِالْقِيَاسِ لَا بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ إِذْ لَيْسَ الْأَدْوَنُ بِصَالِحٍ لِأَنْ يَكُونَ مَفْهُومَ مُوَافَقَةٍ.

وَالْحُوبُ- بِضَمِّ الْحَاءِ- لُغَةُ الْحِجَازِ، وَبِفَتْحِهَا- لُغَةُ تَمِيمٍ، وَقِيلَ: هِيَ حَبَشِيَّةٌ،

وَمَعْنَاهُ الْإِثْمُ، وَالْجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ: لِمَوْقِعِ إِنَّ مِنْهَا، أَيْ نَهَاكُمُ اللَّهُ عَنْ أَكْلِ أَمْوَالِهِمْ لِأَنَّهُ