للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِيهِ تغيّر الْحَالِ، وَهُوَ مُرَاهَقَةُ الْبُلُوغِ، حِينَ يُرْجَى كَمَالُ الْعَقْلِ وَالتَّنَقُّلُ مِنْ حَالِ الضَّعْفِ إِلَى حَالِ الرُّشْدِ، أَمَّا مَنْ كَانَ سَفَهُهُ فِي حِينِ الْكِبَرِ فَلَا يُعْرَفُ وَقْتٌ هُوَ مَظِنَّةٌ لِانْتِقَالِ حَالِهِ وَابْتِلَائِهِ.

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ وَابْتَلُوا مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةِ وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ [النِّسَاء:

٢] لِبَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْإِيتَاءِ وَمُقَدِّمَاتِهِ، وَعَلَيْهِ فَالْإِظْهَارُ فِي قَوْلِهِ: الْيَتامى لِبُعْدِ مَا بَيْنَ الْمَعَادِ وَالضَّمِيرِ، لَوْ عَبَّرَ بِالضَّمِيرِ.

وَالِابْتِلَاءُ: الِاخْتِبَارُ، وَحَتَّى ابْتِدَائِيَّةٌ، وَهِيَ مُفِيدَةٌ لِلْغَايَةِ، لِأَنَّ إِفَادَتَهَا الْغَايَةَ بِالْوَضْعِ، وَكَوْنَهَا ابْتِدَائِيَّةً أَوْ جَارَّةً اسْتِعْمَالَاتٌ بِحَسَبِ مَدْخُولِهَا، كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [١٥٢] . وَ (إِذا) ظَرْفٌ مُضَمَّنٌ مَعْنَى الشَّرْطِ، وَجُمْهُورُ النُّحَاةِ عَلَى أَنَّ (حَتَّى) الدَّاخِلَةِ عَلَى (إِذا) ابْتِدَائِيَّةٌ لَا جَارَّةٌ.

وَالْمَعْنَى: ابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى وَقَتِ إِنْ بَلَغُوا النِّكَاحَ فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ يَنْتَهِي عِنْدَهُ الِابْتِلَاءُ، وَحَيْثُ عُلِمَ أَنَّ الِابْتِلَاءَ لِأَجْلِ تَسْلِيمِ الْمَالِ فَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَفْهُومَ الْغَايَةِ مُرَادٌ مِنْهُ لَازِمُهُ وَأَثَرُهُ، وَهُوَ تَسْلِيمُ الْأَمْوَالِ. وَسَيُصَرَّحُ بِذَلِكَ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ الثَّانِي.

وَالِابْتِلَاءُ هُنَا: هُوَ اخْتِبَارُ تَصَرُّفِ الْيَتِيمِ فِي الْمَالِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُدْفَعُ لِلْيَتِيمِ شَيْءٌ مِنَ الْمَالِ يُمْكِنُهُ التَّصَرُّفَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ إِجْحَافٍ، وَيَرُدُّ النَّظَرَ إِلَيْهِ فِي نَفَقَةِ الدَّارِ شَهْرًا كَامِلًا، وَإِنْ كَانَتْ بِنْتًا يُفَوَّضُ إِلَيْهَا مَا يُفَوَّضُ لِرَبَّةِ الْمَنْزِلِ، وَضَبْطِ أُمُورِهِ، وَمَعْرِفَةِ الْجَيِّدِ مِنَ الرَّدِيءِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، بِحَسَبِ أَحْوَالِ الْأَزْمَانِ وَالْبُيُوتِ. وَزَادَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الِاخْتِبَارَ فِي الدِّينِ، قَالَهُ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالشَّافِعِيُّ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ غَيْرَ شَرْطٍ إِذْ مَقْصِدُ الشَّرِيعَةِ هُنَا حِفْظُ الْمَالِ، وَلَيْسَ هَذَا الْحُكْمُ مِنْ آثَارِ كُلِّيَّةِ حِفْظِ الدِّينِ.

وَبُلُوغُ النِّكَاحِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ بُلُوغُ وَقْتِ النِّكَاحِ أَيِ التَّزَوُّجِ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْخُرُوجِ مِنْ حَالَةِ الصِّبَا لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَلِلْبُلُوغِ عَلَامَاتٌ مَعْرُوفَةٌ، عُبِّرَ عَنْهَا فِي الْآيَةِ بِبُلُوغِ النِّكَاحِ بِنَاءً عَلَى الْمُتَعَارَفِ عِنْدَ الْعَرَبِ مِنَ التَّبْكِيرِ بتزويج الْبِنْت عَن