للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَذِكْرُهَا فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ عَلَى إِبْهَامِهَا لَا يَكْسُو النُّزُولَ غَيْرَ شِعَارِ النَّسْخِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ شُرِعَ الْأَذَى ثُمَّ نُسِخَ بِالْحَبْسِ فِي

الْبُيُوتِ وَإِنْ كَانَ فِي الْقِرَاءَةِ مُتَأَخِّرًا. وَهَذَا قَوْلٌ لَا يَنْبَغِي الِالْتِفَاتُ إِلَيْهِ فَلَا مُخَلِّصَ مِنْ هَذَا الْإِشْكَالِ إِلَّا بِأَنْ نَجْعَلَ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى تَرْكِ الْإِمْسَاكِ فِي الْبُيُوتِ، وَعَلَى تَعْوِيضِهِ بِالْحَدِّ فِي زمَان النبوءة فيؤول إِلَى نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ، وَيَنْدَفِعُ مَا أَوْرَدَهُ الْجَصَّاصُ عَلَى الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّ مُخَالَفَةَ الْإِجْمَاعِ لِلنَّصِّ تَتَضَمَّنُ أَنَّ مُسْتَنَدَ الْإِجْمَاعِ نَاسِخٌ لِلنَّصِّ.

وَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الرَّجْمِ لِلْمُحْصَنِ شُرِعَ بَعْدَ الْجَلْدِ، لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَرْوِيَّةَ فِيهِ تَضَمَّنَتِ التَّغْرِيبَ مَعَ الْجَلْدِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ تَغْرِيبٌ بَعْدَ الرَّجْمِ، وَهُوَ زِيَادَةٌ لَا مَحَالَةَ لَمْ يَذْكُرْهَا الْقُرْآنُ، وَلِذَلِكَ أَنْكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ التَّغْرِيبَ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ فَهُوَ نَسْخٌ عِنْدَهُ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْأَحْكَامِ: أَجْمَعَ رَأْيُ خِيَارِ بَنِي إِسْمَاعِيلَ عَلَى أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فِي الْحَرَمِ يُغَرَّبُ مِنْهُ، وَتَمَادَى ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَكَانَ كُلُّ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا غُرِّبَ مِنْ بَلَدِهِ إِلَى أَنْ جَاءَ الْإِسْلَامُ فأقرّه فِي الزِّنَا خَاصَّةً. قُلْتُ: وَكَانَ فِي الْعَرَبِ الْخَلْعُ وَهُوَ أَنْ يُخْلَعَ الرَّجُلُ مِنْ قَبِيلَتِهِ، وَيَشْهَدُونَ بِذَلِكَ فِي الْمَوْسِمِ، فَإِنْ جَرَّ جَرِيرَةً لَا يُطَالَبُ بِهَا قَوْمُهُ، وَإِنِ اعْتُدِيَ عَلَيْهِ لَا يَطْلُبُ قَوْمُهُ دِيَةً وَلَا نَحْوَهَا، وَقَدْ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

بِهِ الذِّيبُ يَعْوِي كَالْخَلِيعِ الْمُعَيَّلِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُغَرَّبُ لِأَنَّ تَغْرِيبَهَا ضَيْعَةٌ، وَأَنْكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ التَّغْرِيبَ لِأَنَّهُ نَقْلُ ضُرٍّ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ وَعَوَّضَهُ بِالسَّجْنِ وَلَا يُعْرَفُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ الْجَمْعُ بَيْنَ الرَّجْمِ وَالضَّرْبِ وَلَا يُظَنُّ بِشَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ ذَلِكَ

وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا جَلَدَ شَرَاحَةَ الْهَمْدَانِيَّةَ وَرَجَمَهَا بَعْدَ الْجَلْدِ، وَقَالَ: جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَرَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ

. وَقُرِنَ بِالْفَاءِ خَبَرُ الْمَوْصُولَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ: فَاسْتَشْهِدُوا وَقَوْلِهِ فَآذُوهُما لِأَنَّ الْمَوْصُولَ أُشْرِبَ مَعْنَى الشَّرْطِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ صِلَةَ الْمَوْصُولِ سَبَبٌ فِي الْحُكْمِ الدَّالِّ عَلَيْهِ خَبَرُهُ، فَصَارَ خَبَرُ الْمَوْصُولِ مِثْلَ جَوَابِ الشَّرْطِ وَيَظْهَرُ لِي أنّ ذَلِك عِنْد مَا يَكُونُ الْخَبَرُ جُمْلَةً، وَغَيْرَ صَالِحَةٍ لِمُبَاشَرَةِ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ، بِحَيْثُ لَوْ كَانَتْ جَزَاءً لَلَزِمَ