مُخَالَفَةً لِدَلِيلِ الْأَصْلِ فَاقْتَضَى تَأْوِيلَ مَعْنَى الْحَكَمَيْنِ، وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ لِأَنَّ التَّطْلِيقَ لَا يَطَّرِدُ كَوْنُهُ بِيَدِ الزَّوْجِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُطَلِّقُ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبٍ يَقْتَضِيهِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى الْحَكَمَيْنِ لِأَنَّهُمَا الْمَسُوقُ لَهُمَا الْكَلَامُ، وَاقْتَصَرَ عَلَى إِرَادَةِ الْإِصْلَاحِ لِأَنَّهَا الَّتِي يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْمَقْصِدَ لِوُلَاةِ الْأُمُورِ وَالْحَكَمَيْنِ، فَوَاجِبُ الْحَكَمَيْنِ أَنْ يَنْظُرَا فِي أَمْرِ الزَّوْجَيْنِ نَظَرًا مُنْبَعِثًا عَنْ نِيَّةِ الْإِصْلَاحِ، فَإِنْ تَيَسَّرَ الْإِصْلَاحُ فَذَلِكَ وَإِلَّا صَارَا إِلَى التَّفْرِيقِ، وَقَدْ وَعَدَهُمَا اللَّهُ بِأَنْ يُوَفِّقَ بَيْنَهُمَا إِذَا نَوَيَا الْإِصْلَاحَ، وَمَعْنَى التَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا إِرْشَادُهُمَا إِلَى مُصَادَفَةِ الْحَقِّ وَالْوَاقِعِ، فَإِنَّ الِاتِّفَاقَ أَطْمَنُ لَهُمَا فِي حُكْمِهِمَا بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ قَصَرَ الْحَكَمَيْنِ عَلَى إِرَادَةِ الْإِصْلَاحِ حَتَّى يَكُونَ سَنَدًا لِتَأْوِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَكَمَيْنِ رَسُولَانِ لِلْإِصْلَاحِ لَا لِلتَّفْرِيقِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا زَادَ عَلَى أَنْ أَخْبَرَ بِأَنَّ نِيَّةَ الْإِصْلَاحِ تَكُونُ سَبَبًا فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا فِي حُكْمِهِمَا، وَلَوْ فَهِمَ أَحَدٌ غَيْرَ هَذَا الْمَعْنَى لَكَانَ مُتَطَوِّحًا عَنْ مُفَادِ التَّرْكِيبِ.
وَقِيلَ: الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الزَّوْجَيْنِ، وَهَذَا تَأْوِيلُ مَنْ قَالُوا: إِنَّ الْحَكَمَيْنِ يَبْعَثُهُمَا الزَّوْجَانِ وَكِيلَيْنِ عَنْهُمَا، أَيْ إِنْ يُرِدِ الزَّوْجَانِ مِنْ بَعْثِ الْحَكَمَيْنِ إِصْلَاحَ أَمْرِهِمَا يُوَفِّقُ اللَّهُ بَيْنَهُمَا، بِمَعْنَى تَيْسِيرِ عَوْدِ مُعَاشَرَتِهِمَا إِلَى أَحْسَنِ حَالِهَا. وَلَيْسَ فِيهَا عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَيْضًا حُجَّةٌ عَلَى قَصْرِ الْحَكَمَيْنِ عَلَى السَّعْيِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ دُونَ التَّفْرِيقِ: لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَدُلَّ إِلَّا عَلَى أَنَّ إِرَادَةَ الزَّوْجَيْنِ الْإِصْلَاحَ تُحَقِّقُهُ، وَإِرَادَتَهُمَا الشِّقَاقَ وَالشَّغَبَ تَزِيدُهُمَا، وَأَيْنَ هَذَا مِنْ تَعْيِينِ خُطَّةِ الْحَكَمَيْنِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ فِي جَوَازِ التَّحْكِيمِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ، وَمَسْأَلَةُ التَّحْكِيمِ مَذْكُورَةٌ فِي الْفِقْه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute