للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَكَذَلِكَ الْبَيْتُ فَإِنَّ الْغَرَضَ الْأَهَمَّ هُوَ التَّمَدُّحُ بِأَنَّهُمْ يُقْتَلُونَ فِي الْحَرْبِ، فَتَزْهَقُ نُفُوسُهُمْ بِالسُّيُوفِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَعْقَبَهُ بِأَنَّ ذَلِكَ شَنْشَنَةٌ فِيهِمْ لَا تَتَخَلَّفُ وَلَا مُبَالَغَةَ فِيهَا.

وشَيْئاً مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ لِ (تُشْرِكُوا) أَيْ لَا تَجْعَلُوا شَرِيكًا شَيْئًا مِمَّا يُعْبَدُ كَقَوْلِهِ: وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً [الْجِنّ: ٢] وَيَجُوزُ انْتِصَابُهُ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ لِلتَّأْكِيدِ، أَيْ شَيْئًا

مِنَ الْإِشْرَاكِ وَلَوْ ضَعِيفًا كَقَوْلِهِ: فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً [الْمَائِدَة: ٤٢] .

وَقَوْلُهُ: وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً اهْتِمَامٌ بِشَأْنِ الْوَالِدَيْنِ إِذْ جَعَلَ الْأَمْرَ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا عَقِبَ الْأَمْرِ بِالْعِبَادَةِ، كَقَوْلِهِ: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ [لُقْمَان: ١٤] ، وَقَوْلُهُ: يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ [لُقْمَان: ١٣، ١٤] ، وَلِذَا قَدَّمَ مَعْمُولَ (إِحْسَانًا) عَلَيْهِ تَقْدِيمًا لِلِاهْتِمَامِ إِذْ لَا مَعْنَى لِلْحَصْرِ هُنَا لِأَنَّ الْإِحْسَانَ مَكْتُوبٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَوَقَعَ الْمَصْدَرُ مَوْقِعَ الْفِعْلِ. وَإِنَّمَا عُدِّيَ الْإِحْسَانُ بِالْبَاءِ لِتَضْمِينِهِ مَعْنَى الْبِرِّ.

وَشَاعَتْ تَعْدِيَتُهُ بِالْبَاءِ فِي الْقُرْآنِ فِي مِثْلِ هَذَا. وَعِنْدِي أَنَّ الْإِحْسَانَ إِنَّمَا يُعَدَّى بِالْبَاءِ إِذَا أُرِيدَ بِهِ الْإِحْسَانُ الْمُتَعَلِّقُ بِمُعَامَلَةِ الذَّاتِ وَتَوْقِيرِهَا وَإِكْرَامِهَا، وَهُوَ مَعْنَى الْبِرِّ وَلِذَلِكَ جَاءَ «وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ» وَإِذَا أُرِيدَ بِهِ إِيصَالُ النَّفْعِ الْمَالِيِّ عُدِّيَ بِإِلَى، تَقُولُ: أَحْسَنَ إِلَى فُلَانٍ، إِذَا وَصَلَهُ بِمَال وَنَحْوه.

وَذُو الْقُرْبَى صَاحِبُ الْقَرَابَةِ، وَالْقُرْبَى فُعْلَى، اسْمٌ لِلْقُرْبِ مَصْدَرُ قَرُبَ كَالرُّجْعَى، وَالْمُرَادُ بِهَا قَرَابَةُ النَّسَبِ، كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِي هَذَا الْمُرَكَّبِ الْإِضَافِيِّ: وَهُوَ قَوْلُهُمْ: ذُو الْقُرْبَى، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ اسْتِبْقَاءً لِأَوَاصِرِ الْوِدِّ بَيْنَ الْأَقَارِبِ، إِذْ كَانَ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَدْ حَرَّفُوا حُقُوقَ الْقَرَابَةِ فَجَعَلُوهَا سَبَبَ تَنَافُسٍ وَتَحَاسُدٍ وَتَقَاتُلٍ. وَأَقْوَالُهُمْ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فِي شِعْرِهِمْ قَالَ أَرْطَاةُ بن سهية:

وَنَحْو بَنُو عَمٍّ عَلَى ذَاكَ بَيْنَنَا ... زَرَابِيٌّ فِيهَا بِغْضَةٌ وَتَنَافُسُ

وَحَسْبُكَ مَا كَانَ بَيْنَ بَكْرٍ وَتَغْلِبَ فِي حَرْبِ الْبَسُوسِ، وَهُمَا أَقَارِبُ وَأَصْهَارٌ، وَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَهَا عَرَبًا قَرِيبِي عَهْدٍ بِالْجَاهِلِيَّةِ فَلِذَلِكَ حَثَّهُمْ عَلَى الْإِحْسَانِ إِلَى الْقَرَابَةِ.

وَكَانُوا يُحْسِنُونَ بِالْجَارِ، فَإِذَا كَانَ مِنْ قَرَابَتِهِمْ لَمْ يَكْتَرِثُوا بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِإِعَادَةِ حَرْفِ الْجَرِّ بَعْدَ الْعَاطِفِ. وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لَمْ تُؤَكَّدْ بِالْبَاءِ فِي حِكَايَةِ وَصِيَّةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ إِلَى قَوْلِهِ: وَذِي الْقُرْبى [الْبَقَرَة: ٨٣] لِأَنَّ الْإِسْلَامَ أَكَّدَ