وَقَوْلُهُ: فَساءَ قَرِيناً جَوَابُ الشَّرْطِ. وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي (سَاءَ) إِنْ كَانَ عَائِدًا إِلَى الشَّيْطَان (فَساءَ) بِمَعْنَى بِئْسَ، وَالضَّمِيرُ فَاعِلُهَا، وقَرِيناً تَمْيِيزٌ لِلضَّمِيرِ، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا [الْأَعْرَاف: ١٧٧] ، أَيْ: فَسَاءَ قَرِينًا لَهُ، لِيَحْصُلَ الرَّبْطُ بَيْنَ الشَّرْطِ وَجَوَابِهِ، وَيَجُوزُ أَن تبقى (فَساءَ) عَلَى أَصْلِهَا ضِدَّ حَسُنَ، وَتَرْفَعَ ضَمِيرًا عَائِدًا عَلَى (مَنْ) وَيَكُونَ (قَرِينًا) تَمْيِيزَ نِسْبَةٍ، كَقَوْلِهِمْ: «سَاءَ سمعا فسَاء جابة» أَيْ فَسَاءَ مَنْ كَانَ الشَّيْطَانُ قَرِينَهُ مِنْ جِهَةِ الْقَرِينِ، وَالْمَقْصُودُ عَلَى كِلَا الِاحْتِمَالَيْنِ سُوءُ حَالِ مَنْ كَانَ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا بِإِثْبَاتِ سُوءِ قَرِينِهِ إِذِ الْمَرْءُ يُعْرَفُ بِقَرِينِهِ، كَمَا قَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ:
فَكُلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارِنِ يَقْتَدِي وَقَوْلُهُ: وَماذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ عُطِفَ عَلَى الْجُمْلَتَيْنِ، وَضَمِيرُ الْجَمْعِ عَائِدٌ إِلَى الْفَرِيقَيْنِ، وَالْمَقْصُودُ اسْتِنْزَالُ طَائِرِهِمْ، وَإِقَامَةُ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ.
وَماذا اسْتِفْهَامٌ، وَهُوَ هُنَا إِنْكَارِيٌّ تَوْبِيخِيٌّ. وَ (ذَا) إِشَارَةٌ إِلَى (مَا) ، وَالْأَصْل لَا يَجِيءَ بَعْدَ (ذَا) اسْمٌ مَوْصُولٌ نَحْوَ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ [الْبَقَرَة: ٢٥٥] . وَكَثُرَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ حَذْفُهُ وَإِبْقَاءُ صِلَتِهِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، فَقَالَ النُّحَاةُ: نَابَتْ ذَا مَنَابَ الْمَوْصُولِ، فَعَدُّوهَا فِي الْمَوْصُوَلَاتِ وَمَا هِيَ مِنْهَا فِي قُبَيْلٍ وَلَا دُبَيْرٍ، وَلَكِنَّهَا مُؤْذِنَةٌ بِهَا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ. وعَلى ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ هُوَ صِلَةُ الْمَوْصُولِ، فَهُوَ مُؤَوَّلٌ بِكَوْنٍ. وعَلى لِلِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ بِمَعْنَى الْكُلْفَةِ وَالْمَشَقَّةِ، كَقَوْلِهِمْ: عَلَيْكَ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا. ولَوْ آمَنُوا شَرْطٌ حُذِفَ جَوَابُهُ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ قُدِّمَ دَلِيلُ الْجَوَابِ اهْتِمَامًا بِالِاسْتِفْهَامِ، كَقَوْلِ
قَتِيلَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ:
مَا كَانَ ضَرَّكَ لَوْ مَنَنْتَ وَرُبَّمَا ... مَنَّ الْفَتَى وَهُوَ الْمَغِيظُ الْمُحْنَقُ
وَمِنْ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ تَوَلَّدَ مَعْنَى الْمَصْدَرِيَّةِ فِي لَوِ الشَّرْطِيَّةِ، فَأَثْبَتَهُ بَعْضُ النُّحَاةِ فِي مَعَانِي لَوْ، وَلَيْسَ بِمَعْنَى لَوْ فِي التَّحْقِيقِ، وَلَكِنَّهُ يَنْشَأُ مِنَ الِاسْتِعْمَالِ. وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: لَوْ آمَنُوا مَاذَا الَّذِي كَانَ يُتْعِبُهُمْ وَيُثْقِلُهُمْ، أَيْ لَكَانَ خَفِيفًا عَلَيْهِمْ وَنَافِعًا لَهُمْ، وَهَذَا من الْجِدَال بِإِرَاءَةِ الْحَالَةِ الْمَتْرُوكَةِ أَنْفَعَ وَمَحْمُودَةً.
ثُمَّ إِذَا ظَهَرَ أَنَّ التَّفْرِيطَ فِي أَخَفِّ الْحَالَيْنِ وَأَسَدِّهِمَا أَمْرٌ نُكْرٌ، ظَهَرَ أَنَّ الْمُفَرِّطَ فِي ذَلِكَ مَلُومٌ، إِذْ لَمْ يَأْخُذْ لِنَفْسِهِ بِأَرْشَدِ الْخَلَّتَيْنِ، فَالْكَلَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّوْبِيخِ اسْتِعْمَالًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute