للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً.

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَأَنْتُمْ سُكارى لأنّا فِي مَحَلِّ الْحَالِ، وَهَذَا النَّصْبُ بَعْدَ الْعَطْفِ دَلِيلٌ بَيِّنٌ عَلَى أَنَّ جُمْلَةَ الْحَالِ مُعْتَبَرَةٌ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ.

وَالْجُنُبُ فُعُلٌ، قِيلَ: مَصْدَرٌ، وَقِيلَ: وَصْفٌ مِثْلُ أُجُدٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ: وَالْجارِ الْجُنُبِ [النِّسَاء: ٣٦] ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُبَاعِدُ لِلْعِبَادَةِ مِنَ الصَّلَاةِ إِذَا قَارَفَ امْرَأَتَهُ حَتَّى يَغْتَسِلَ.

وَوَصْفُ جُنُبٍ وَصْفٌ بِالْمَصْدَرِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُجْمَعْ إِذْ أُخْبِرَ بِهِ عَنْ جَمْعٍ، مِنْ قَوْلِهِ:

وَأَنْتُمْ سُكارى. وَإِطْلَاقُ الْجَنَابَةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مِنْ عَهْدِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنَّ الِاغْتِسَالَ مِنَ الْجَنَابَةِ كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ، وَلَعَلَّهُ مِنْ بَقَايَا الْحَنِيفِيَّةِ، أَوْ مِمَّا أَخَذُوهُ عَنِ الْيَهُودِ، فَقَدْ جَاءَ الْأَمْرُ بِغُسْلِ الْجَنَابَةِ فِي «الْإِصْحَاحِ» ١٥ مِنْ سِفْرِ اللَّاوِيِّينَ مِنَ التَّوْرَاةِ. وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ- فِي «السِّيرَةِ» - أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ، لَمَّا رَجَعَ مَهْزُومًا مِنْ بَدْرٍ، حَلَفَ أَنْ لَا يَمَسَّ رَأْسَهُ غُسْلٌ مِنْ جَنَابَةٍ حَتَّى يَغْزُوَ مُحَمَّدًا. وَلَمْ أَقِفْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ يَدُلُّ عَلَى ذِكْرِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ.

وَالْمَعْنَى لَا تُصَلُّوا فِي حَالِ الْجَنَابَةِ حَتَّى تَغْتَسِلُوا إِلَخْ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ قَوْلِهِ: وَلا جُنُباً التَّمْهِيدُ لِلتَّخَلُّصِ إِلَى شَرْعِ التَّيَمُّمِ، فَإِنَّ حُكْمَ غُسْلِ الْجَنَابَةِ مُقَرَّرٌ مِنْ قَبْلُ، فَذِكْرُهُ هُنَا إِدْمَاجٌ. وَالتَّيَمُّمُ شُرِعَ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَانَتْ سَنَةَ سِتٍّ أَوْ سَنَةَ خَمْسٍ عَلَى الْأَصَحِّ. وَظَاهِرُ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ هِيَ آيَةُ التَّيَمُّمِ، فَيَظْهَرُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ لِأَنَّهَا لَمْ يُذْكَرْ مِنْهَا إِلَّا التَّيَمُّمُ.

وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَمْرٍو عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي نَزَلَتْ هِيَ قَوْلُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ الَّتِي فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ [٦] ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَقَدْ جَزَمَ