للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَعَلَى قُرْبَانِ النِّسَاءِ، لِأَنَّهُ مُرَادِفُ الْمَسِّ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: «فُلَانَةٌ لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ» ، وَنَظِيرُهُ وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [الْبَقَرَة: ٢٣٧] . وَالْمُلَامَسَةُ هُنَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهَا ظَاهِرَهَا، وَهُوَ الْمُلَامَسَةُ بِمُبَاشَرَةِ الْيَدِ أَوْ بَعْضِ الْجَسَدِ جَسَدَ الْمَرْأَةِ،

فَيَكُونُ ذَكَرَ سَبَبًا ثَانِيًا مِنْ أَسْبَابِ الْوُضُوءِ الَّتِي تُوجِبُ التَّيَمُّمَ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ، وَبِذَلِكَ فَسَّرَهُ الشَّافِعِيُّ، فَجَعَلَ لَمْسَ الرَّجُلِ بِيَدِهِ جَسَدَ امْرَأَتِهِ مُوجِبًا لِلْوُضُوءِ، وَهُوَ مَحْمَلٌ بَعِيدٌ، إِذْ لَا يَكُونُ لَمْسُ الْجَسَدِ مُوجِبًا لِلْوُضُوءِ وَإِنَّمَا الْوُضُوءُ مِمَّا يَخْرُجُ خُرُوجًا مُعْتَادًا. فَالْمَحْمَلُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْمُلَامَسَةَ كِنَايَةٌ عَنِ الْجِمَاعِ. وَتَعْدِيدُ هَذِهِ الْأَسْبَابِ لِجَمْعِ مَا يَغْلِبُ مِنْ مُوجِبَاتِ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى وَالطَّهَارَةِ الْكُبْرَى، وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ لامَسْتُمُ النِّساءَ بِقَوْلِهِ آنِفًا وَلا جُنُباً لِأَنَّ ذَلِكَ ذُكِرَ فِي مَعْرِضِ الْأَمْرِ بِالِاغْتِسَالِ، وَهَذَا ذُكِرَ فِي مَعْرِضِ الْإِذْنِ بِالتَّيَمُّمِ الرُّخْصَةِ. وَالْمَقَامُ مَقَامُ تَشْرِيعٍ يُنَاسِبُهُ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ، وَبِذَلِكَ يَكُونُ وَجْهٌ لِذِكْرِهِ وَجِيهٌ. وَأَمَّا عَلَى تَأْوِيلِ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ فَلَا يَكُونُ لِذِكْرِ سَبَبِ ثَانٍ مِنْ أَسْبَابِ الْوُضُوءِ كَبِيرُ أَهَمِّيَّةٍ. وَإِلَى هَذَا مَالَ الْجُمْهُورُ فَلِذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ الْوُضُوءُ مَنْ لَمْسِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ، إِلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ: إِذَا الْتَذَّ اللَّامِسُ أَوْ قَصَدَ اللَّذَّةَ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ، وَحَمَلَ الْمُلَامَسَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى مَعْنَيَيْهَا الْكِنَائِيِّ وَالصَّرِيحِ، لَكِنَّ هَذَا بِشَرْطِ الِالْتِذَاذِ، وَبِهِ قَالَ جَمْعٌ مِنَ السَّلَفِ، وَأَرَى مَالِكًا اعْتَمَدَ فِي هَذَا عَلَى الْآثَارِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ أَيِمَّةِ السَّلَفِ، وَلَا أُرَاهُ جَعْلَهُ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ لامَسْتُمُ بِصِيغَةِ الْمُفَاعَلَةِ وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ لَمَسْتُمْ- بِدُونِ أَلِفٍ-.

وَقَوْلُهُ: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً عَطْفٌ عَلَى فِعْلِ الشَّرْطِ، وَهُوَ قَيْدٌ فِي الْمُسَافِرِ، وَمَنْ جَاءَ مِنَ الْغَائِط، وَمن لَا مس النِّسَاءَ، أمّا الْمَرِيضُ فَلَا يَتَقَيَّدُ تَيَمُّمُهُ بِعَدَمِ وِجْدَانِ الْمَاءِ لِأَنَّهُ يَتَيَمَّمُ مُطْلَقًا، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ بِدَلَالَةِ مَعْنَى الْمَرَضِ، فَمَفْهُومُ الْقَيْدِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ مُعَطَّلٌ بِدَلَالَةِ الْمَعْنَى، وَلَا يَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنَ الْمَرِيضِ الزَّمِنِ، إِذْ لَا يُعْدَمُ الزَّمِنُ مُنَاوِلًا يُنَاوِلُهُ الْمَاءَ إِلَّا نَادِرًا.

وَقَوْلُهُ فَتَيَمَّمُوا جَوَابُ الشَّرْطِ- وَالتَّيَمُّمُ الْقَصْدُ- وَالصَّعِيدُ وَجْهُ الْأَرْضِ، قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ خَشْفًا مِنْ بَقْرِ الْوَحْشِ نَائِمًا فِي الشَّمْسِ لَا يَكَادُ يُفِيقُ: