للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَإِنَّمَا أُعِيدَ فِعْلُ: وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ مَعَ أَنَّ حَرْفَ الْعَطْفِ يُغْنِي عَنْ إِعَادَتِهِ إِظْهَارًا لِلِاهْتِمَامِ بِتَحْصِيلِ طَاعَةِ الرَّسُولِ لِتَكُونَ أَعْلَى مَرْتَبَةً مِنْ طَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ، وَلِيُنَبِّهَ عَلَى وُجُوبِ طَاعَتِهِ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ، وَلَوْ كَانَ أَمْرُهُ غَيْرَ مُقْتَرِنٍ بِقَرَائِنِ تَبْلِيغِ الْوَحْيِ لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ السَّامِعُ أَنَّ طَاعَةَ الرَّسُولِ الْمَأْمُورَ بِهَا تَرْجِعُ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ فِيمَا يُبَلِّغُهُ عَنِ اللَّهِ دُونَ مَا يَأْمُرُ بِهِ فِي غَيْرِ التَّشْرِيعِ، فَإِنَّ امْتِثَالَ أَمْرِهِ كُلِّهِ خَيْرٌ، أَلَا تَرَى

أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا أَبَا سَعِيدِ بْنَ الْمُعَلَّى، وَأَبُو سَعِيدٍ يُصَلِّي، فَلَمْ يُجِبْهُ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ جَاءَهُ فَقَالَ لَهُ: «مَا مَنَعَكَ أَنْ تُجِيبَنِي» فَقَالَ:

«كُنْتُ أُصَلِّي» فَقَالَ: «أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ

[الْأَنْفَال: ٢٤] وَلِذَلِكَ كَانُوا إِذَا لَمْ يَعْلَمُوا مُرَادَ الرَّسُولِ مِنْ أَمْرِهِ رُبَّمَا سَأَلُوهُ: أَهُوَ أَمْرُ تَشْرِيعٍ أَمْ هُوَ الرَّأْيُ وَالنَّظَرُ، كَمَا

قَالَ لَهُ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ يَوْمَ بَدْرٍ حِينَ نَزَلَ جَيْشُ الْمُسْلِمِينَ: أَهَذَا مَنْزِلٌ أَنْزَلَكَهُ اللَّهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَجْتَازَهُ أَمْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ قَالَ:

بَلِ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ ... »

الْحَدِيثَ.

وَلَمَّا كَلَّمَ بَرِيرَةَ فِي أَنْ تُرَاجِعَ زَوْجَهَا مُغِيثًا بَعْدَ أَنْ عَتَقَتْ، قَالَتْ لَهُ: أَتَأْمُرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ تَشْفَعُ، قَالَ: بَلْ أَشْفَعُ، قَالَتْ: لَا أَبْقَى مَعَهُ

. وَلِهَذَا لَمْ يُعَدْ فِعْلُ (فَرُدُّوهُ) فِي قَوْلِهِ: (وَالرَّسُولِ) لِأَنَّ ذَلِكَ فِي التَّحَاكُمِ بَيْنَهُمْ، وَالتَّحَاكُمُ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلْأَخْذِ بِحُكْمِ اللَّهِ فِي شَرْعِهِ، وَلِذَلِكَ لَا نَجِدُ تَكْرِيرًا لِفِعْلِ الطَّاعَةِ فِي نَظَائِرِ هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي لَمْ يُعْطَفْ فِيهَا أُولُو الْأَمْرِ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ [الْأَنْفَال: ٢٠] وَقَوْلِهِ: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا [الْأَنْفَال: ٤٦] وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ [النُّور: ٥٢] ، إِذْ طَاعَةُ الرَّسُولِ مُسَاوِيَةٌ لِطَاعَةِ اللَّهِ لِأَنَّ الرَّسُولَ هُوَ الْمُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ فَلَا يُتَلَقَّى أَمْرُ اللَّهِ إِلَّا مِنْهُ، وَهُوَ منقّذ أَمْرِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ، فَطَاعَتُهُ طَاعَةُ تَلَقٍّ وَطَاعَةُ امْتِثَالٍ، لِأَنَّهُ مبلّغ ومنقّذ، بِخِلَافِ أُولِي الْأَمر فإنّهم منقّذون لِمَا بَلَّغَهُ الرَّسُولُ فَطَاعَتُهُمْ طَاعَةُ امْتِثَالٍ خَاصَّةً. وَلِذَلِكَ كَانُوا إِذَا أَمَرَهُمْ بِعَمَلٍ فِي غَيْرِ أُمُورِ التَّشْرِيعِ، يَسْأَلُونَهُ أَهَذَا أَمْرٌ أَمْ رَأْيٌ وَإِشَارَةٌ فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ لِلَّذِينَ يَأْبُرُونَ النَّخْلَ «لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلَحَ» .

وَقَوْلُهُ: وَأُولِي الْأَمْرِ يَعْنِي ذَوِيهِ وَهُمْ أَصْحَابُ الْأَمْرِ وَالْمُتَوَلُّونَ لَهُ. وَالْأَمْرُ هُوَ الشَّأْنُ، أَيْ مَا يُهْتَمُّ بِهِ من الْأَحْوَال والشؤون، فَأُولُو الْأَمْرِ مِنَ الْأُمَّةِ وَمِنَ الْقَوْمِ هُمُ الَّذِينَ