انْعَقَدَ بَيْنَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ سَفِيرِ قُرَيْشٍ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو إِذْ كَانَ مِنَ الشُّرُوطِ الَّتِي انْعَقَدَ عَلَيْهَا الصُّلْحُ: أَنَّ مَنْ جَاءَ إِلَى مَكَّةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مُرْتَدًّا عَنِ الْإِسْلَامِ لَا يُرَدُّ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ جَاءَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَارًّا مِنْ مَكَّةَ مُؤْمِنًا يُرَدُّ إِلَى مَكَّةَ. وَمِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ الْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ. وَسَلَمَةُ بْنُ هِشَامٍ. وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ. وَأَمَّا النِّسَاءُ فَهُنَّ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ أَوْ وَلَايَى الْأَوْلِيَاءِ الْمُشْرِكِينَ اللَّائِي يَمْنَعُهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ وَأَوْلِيَاؤُهُنَّ مِنَ الْهِجْرَةِ: مِثْلَ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَأُمِّ الْفَضْلِ لُبَابَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ زَوْجِ الْعَبَّاسِ، فَقَدْ كُنَّ يُؤْذَيْنَ وَيُحَقَّرْنَ. وَأَمَّا الْوِلْدَانُ فَهُمُ الصِّغَارُ مِنْ أَوْلَادِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَأْلَمُونَ مِنْ مُشَاهَدَةِ تَعْذِيبِ آبَائِهِمْ وَذَوِيهِمْ وَإِيذَاءِ أُمَّهَاتِهِمْ وَحَاضِنَاتِهِمْ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ.
وَالْقِتَالُ فِي سَبِيلِ هَؤُلَاءِ ظَاهِرٌ، لِإِنْقَاذِهِمْ مِنْ فِتْنَةِ الْمُشْرِكِينَ، وَإِنْقَاذِ الْوِلْدَانِ مِنْ أَنْ يَشِبُّوا عَلَى أَحْوَالِ الْكُفْرِ أَوْ جَهْلِ الْإِيمَانِ.
والقرية هِيَ مَكَّةُ. وَسَأَلُوا الْخُرُوجَ مِنْهَا لِمَا كَدَّرَ قُدْسَهَا مِنْ ظُلْمِ أَهْلِهَا، أَيْ ظُلْمِ الشِّرْكِ وَظُلْمِ الْمُؤْمِنِينَ، فَكَرَاهِيَةُ الْمُقَامِ بِهَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا صَارَتْ يَوْمَئِذٍ دَارَ شِرْكٍ وَمُنَاوَاةٍ لِدِينِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَحَلَّهَا اللَّهُ لِرَسُولِهِ أَنْ يُقَاتِلَ أَهْلَهَا، وَقَدْ قَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ يَفْتَخِرُ بِاقْتِحَامِ خَيْلِ قَوْمِهِ فِي زُمْرَةِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ:
شَهِدْنَ مَعَ النَّبِيءِ مُسَوَّمَاتٍ ... حُنَيْنًا وَهِيَ دَامِيَةُ الْحَوَامِي
وَوَقْعَةَ خَالِدٍ شَهِدَتْ وَحَكَّتْ ... سَنَابِكَهَا عَلَى الْبَلَدِ الْحَرَامِ
وَقَدْ سَأَلُوا مِنَ اللَّهِ وَلِيًّا وَنَصِيرًا، إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلِيٌّ وَلَا نَصِيرٌ فَنَصَرَهُمُ اللَّهُ بِنَبِيئِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْفَتْحِ.
وَأَشَارَتِ الْآيَةُ إِلَى أَنَّ اللَّهَ اسْتَجَابَ دَعْوَتَهُمْ وَهَيَّأَ لَهُمُ النَّصْرَ بِيَدِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ:
الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ، أَيْ فَجَنَّدَ اللَّهُ لَهُمْ عَاقِبَةَ النَّصْرِ، وَلِذَلِكَ فَرَّعَ عَلَيْهِ الْأَمْرَ بِقَوْلِهِ: فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute