فَلْتُؤْجَرُوا»
. وَوَصْفُهَا بِالْحَسَنَةِ وَصْفٌ كَاشِفٌ لِأَنَّ الشَّفَاعَةَ لَا تُطْلَقُ إِلَّا عَلَى الْوَسَاطَةِ فِي الْخَيْرِ، وَأَمَّا إِطْلَاقُ الشَّفَاعَةِ عَلَى السَّعْيِ فِي جَلْبِ شَرٍّ فَهُوَ مُشَاكَلَةٌ، وَقَرِينَتُهَا وَصْفُهَا بِسَيِّئَةٍ، إِذْ لَا يُقَالُ (شَفَعَ) لِلَّذِي سَعَى بِجَلْبِ سُوءٍ.
وَالنَّصِيبُ: الْحَظُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: خَيْرًا كَانَ أَوْ شَرًّا، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٠٢] .
وَالْكِفْلُ- بِكَسْرِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْفَاءِ- الْحَظُّ كَذَلِكَ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لِي وَجْهُ اشْتِقَاقِهِ بِوُضُوحٍ. وَيُسْتَعْمَلُ الْكِفْلُ بِمَعْنَى الْمِثْلُ، فَيُؤْخَذُ مِنَ التَّفْسِيرَيْنِ أَنَّ الْكِفْلَ هُوَ الْحَظُّ الْمُمَاثِلُ لِحَظٍّ آخَرَ، وَقَالَ صَاحِبُ «اللِّسَانِ» : لَا يُقَالُ هَذَا كِفْلُ فُلَانٍ حَتَّى يكون قد هيّىء لِغَيْرِهِ مِثْلُهُ، وَلَمْ يَعْزُ هَذَا، وَنَسَبَهُ الْفَخْرُ إِلَى ابْنِ الْمُظَفَّرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ أَحَدٌ غَيْرَ هَذَيْنِ فِيمَا عَلِمْتُ، وَلَعَلَّهُ لَا يُسَاعِدُ عَلَيْهِ الِاسْتِعْمَالُ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ [الْحَدِيد: ٢٨] . وَهَلْ يُحْتَجُّ بِمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُظَفَّرِ- وَابْنُ الْمُظَفَّرِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْمُظَفَّرِ الْحَاتِمِيُّ الْأَدِيبُ مُعَاصِرُ الْمُتَنَبِّي-. وَفِي مُفْرَدَاتِ الرَّاغِبِ أَنَّ الْكِفْلَ هُوَ الْحَظُّ مِنَ الشَّرِّ وَالشِّدَّةِ، وَأَنَّهُ مُسْتَعَارٌ مِنَ الْكِفْلِ وَهُوَ الشَّيْءُ الرَّدِيءُ، فَالْجَزَاءُ فِي جَانِبِ الشَّفَاعَةِ الْحَسَنَةِ بِأَنَّهُ نَصِيبٌ إِيمَاءً إِلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ أَجْرٌ أَكْثَرُ مِنْ ثَوَابِ مَنْ شَفَعَ عِنْدَهُ.
وَجُمْلَةُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً تَذْيِيلٌ لِجُمْلَةِ مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً
الْآيَةَ، لِإِفَادَةِ أَنَّ اللَّهَ يُجَازِي عَلَى كُلِّ عَمَلٍ بِمَا يُنَاسِبُهُ مِنْ حُسْنٍ أَوْ سُوءٍ.
وَالْمُقِيتُ الْحَافِظُ، وَالرَّقِيبُ، وَالشَّاهِدُ، وَالْمُقْتَدِرُ. وَأَصْلُهُ عِنْدَ أَبِي عُبَيْدَةَ الْحَافِظُ. وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَقَاتَ إِذَا أَعْطَى الْقُوتَ، فَوَزْنُهُ مُفْعِلٌ وَعَيْنُهُ وَاوٌ. وَاسْتُعْمِلَ مَجَازًا فِي مَعَانِي الْحِفْظِ وَالشَّهَادَةِ بِعَلَاقَةِ اللُّزُومِ، لِأَنَّ مَنْ يُقِيتُ أَحَدًا فَقَدْ حَفِظَهُ مِنَ الْخَصَاصَةِ أَوْ مِنَ الْهَلَاكِ، وَهُوَ هُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى الِاطِّلَاعِ، أَوْ مُضَمَّنٌ مَعْنَاهُ، كَمَا يَنْبِيءُ عَنْهُ تَعْدِيَتُهُ بِحَرْفِ (عَلَى) . وَمِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُقِيتُ، وَفَسَّرَهُ الْغَزَالِيُّ بِمُوَصِّلِ الْأَقْوَاتِ. فَيُؤَوَّلُ إِلَى مَعْنَى الرَّازِقِ، إِلَّا أَنَّهُ أَخَصُّ، وَبِمَعْنَى الْمُسْتَوْلِي عَلَى الشَّيْءِ الْقَادِرِ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً فَيَكُونُ رَاجِعًا إِلَى الْقُدْرَة وَالْعلم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute