لِلْوَاحِدِيِّ، وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الطَّبَرَيِّ سَوْقُ الْقِصَّةِ بِبَعْضِ مُخَالَفَةٍ لِمَا ذَكَرْتُهُ: وَأَنَّ بَنِي ظَفَرٍ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَادِلَ عَنْ أَصْحَابِهِمْ كَيْ
لَا يَفْتَضِحُوا وَيَبْرَأَ الْيَهُودِيُّ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ هَمَّ بِذَلِكَ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَامَ الْيَهُودِيَّ وَبَرَّأَ الْمُتَّهَمَ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ وَاهِيَةٌ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ خَطَأٌ بَيِّنٌ مِنْ أَهْلِ الْقَصَصِ دُونَ عِلْمٍ وَلَا تَبَصُّرٍ بِمَعَانِي الْقُرْآنِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ صَدْرَ الْآيَةِ تَمْهِيدٌ لِلتَّلْوِيحِ إِلَى الْقِصَّةِ، فَهُوَ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهَا، إِذْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ الْكَلَامِ مَا يُلَوِّحُ إِلَيْهَا، وَلَكِنَّ مَبْدَأَ التَّلْوِيحِ إِلَى الْقِصَّةِ مِنْ قَوْلِهِ: وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ.
وَقَوْلُهُ: بِما أَراكَ اللَّهُ الْبَاءُ لِلْآلَةِ جَعَلَ مَا أَرَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ بِمَنْزِلَةِ آلَةٍ لِلْحُكْمِ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إِلَى مُصَادَفَةِ الْعَدْلِ وَالْحَقِّ وَنَفْيِ الْجَوْرِ، إِذْ لَا يَحْتَمِلُ عِلْمُ اللَّهِ الْخَطَأَ. وَالرُّؤْيَةُ فِي قَوْلِهِ:
أَراكَ اللَّهُ عِرْفَانِيَّةٌ، وَحَقِيقَتُهَا الرُّؤْيَةُ الْبَصَرِيَّةُ، فَأُطْلِقَتْ عَلَى مَا يُدْرَكُ بِوَجْهِ الْيَقِينِ لِمُشَابَهَتِهِ الشَّيْءَ الْمُشَاهَدَ. وَالرُّؤْيَةُ الْبَصَرِيَّةُ تَنْصِبُ مَفْعُولًا وَاحِدًا فَإِذْ أُدْخِلَتْ عَلَيْهَا هَمْزَةُ التَّعْدِيَةِ نَصَبَتْ مَفْعُولَيْنِ كَمَا هُنَا، وَقَدْ حُذِفَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِأَنَّهُ ضَمِيرُ الْمَوْصُولِ، فَأَغْنَى عَنْهُ الْمَوْصُولُ، وَهُوَ حَذْفٌ كَثِيرٌ، وَالتَّقْدِيرُ: بِمَا أَرَاكَهُ اللَّهُ.
فَكُلُّ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ حَقًّا فِي كِتَابِهِ فَقَدْ أَمَرَ بِالْحُكْمِ بِهِ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُعْلِمُهُ الْحَقَّ فِي جَانِبِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: إِنَّ فُلَانًا عَلَى الْحَقِّ، لِأَنَّ هَذَا لَا يَلْزَمُ اطِّرَادُهُ، وَلِأَنَّهُ لَا يُلْفَى مَدْلُولًا لِجَمِيعِ آيَاتِ الْقُرْآنِ وَإِنَّ صَلُحَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْآيَةِ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ لِيَحْكُمَ بِالطُّرُقِ وَالْقَضَايَا الدَّالَّةِ عَلَى وَصْفِ الْأَحْوَالِ الَّتِي يَتَحَقَّقُ بِهَا الْعَدْلُ فَيَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ، بِأَنْ تَنْدَرِجَ جُزْئِيَّاتُ أَحْوَالِهِمْ عِنْدَ التَّقَاضِي تَحْتَ الْأَوْصَافِ الْكُلِّيَّةِ الْمُبَيَّنَةِ فِي الْكِتَابِ، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ [الْأَحْزَاب: ٤] ، فَقَدْ أَبْطَلَ حُكْمَ التَّبَنِّي الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَعْلَمَنَا أَنَّ قَوْلَ الرَّجُلِ لِمَنْ لَيْسَ وَلَدَهُ: هَذَا وَلَدِي، لَا يَجْعَلُ لِلْمَنْسُوبِ حَقًّا فِي مِيرَاثِهِ. وَرَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يخطىء فِي إِدْرَاجِ الْجُزْئِيَّاتِ تَحْتَ كُلِّيَّاتِهَا، وَقَدْ يَعْرِضُ الْخَطَأُ لِغَيْرِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَادِفُ الْحَقَّ مِنْ غَيْرِ وُجُوهِهِ الْجَارِيَةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَلِذَلِكَ
قَالَ «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute