للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمَجِيءُ صِفَتِهِمْ بِطَرِيقَةِ الْمَوْصُولِ لِإِفَادَةِ تَعْلِيلِ اسْتِحْقَاقِهِمُ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ، أَيْ لِأَنَّهُمُ اتَّخَذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، أَيِ اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ لِأَجْلِ مُضَادَّةِ الْمُؤْمِنِينَ.

وَالْمُرَادُ بِالْكَافِرِينَ مُشْرِكُو مَكَّةَ، أَوْ أَحْبَارُ الْيَهُودِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بِالْمَدِينَةِ مُشْرِكُونَ صُرَحَاءُ فِي وَقْتِ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَلَيْسَ إِلَّا مُنَافِقُونَ وَيَهُودُ. وَجُمْلَةُ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ بِاعْتِبَارِ الْمَعْطُوفِ وَهُوَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ وَقَوْلُهُ: أَيَبْتَغُونَ هُوَ مَنْشَأُ الِاسْتِئْنَافِ، وَفِي ذَلِكَ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْمُنَافِقِينَ لَمْ تَكُنْ مُوَالَاتُهُمْ لِلْمُشْرِكِينَ لِأَجْلِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الدِّينِ وَالْعَقِيدَةِ، لِأَنَّ مُعْظَمَ الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْيَهُودِ، بَلِ اتَّخَذُوهُمْ لِيَعْتَزُّوا بِهِمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَإِيمَاءً إِلَى أَنَّ الْمُنَافِقِينَ شَعَرُوا بِالضَّعْفِ فَطَلَبُوا الِاعْتِزَازَ، وَفِي ذَلِكَ نِهَايَةُ التَّجْهِيلِ وَالذَّمِّ. وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارٌ وَتَوْبِيخٌ، وَلِذَلِكَ صَحَّ التَّفْرِيعُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً أَيْ لَا عِزَّةَ إِلَّا بِهِ، لِأَنَّ الِاعْتِزَازَ بِغَيْرِهِ بَاطِلٌ. كَمَا قِيلَ: مَنِ اعْتَزَّ بِغَيْرِ اللَّهِ هَانَ.

وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْكَافِرِينَ الْيَهُودَ فَالِاسْتِفْهَامُ تَهَكُّمٌ بِالْفَرِيقَيْنِ كَقَوْلِ الْمَثَلِ: كَالْمُسْتَغِيثِ مِنَ الرَّمْضَاءِ بِالنَّارِ. وَهَذَا الْكَلَامُ يُفِيدُ التَّحْذِيرَ مِنْ مُخَالَطَتِهِمْ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ.

وَجُمْلَةُ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ إِلَخْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةِ بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ تَذْكِيرًا لِلْمُسْلِمِينَ بِمَا كَانُوا أُعْلِمُوا بِهِ مِمَّا يُؤَكِّدُ التَّحْذِيرَ مِنْ مُخَالَطَتِهِمْ، فَضَمِيرُ الْخِطَابِ مُوَجَّهٌ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَضَمَائِرُ الْغَيْبَةِ إِلَى الْمُنَافِقِينَ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ (يَتَّخِذُونَ) ، فَيَكُونُ ضَمِيرُ الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ خِطَابًا لِأَصْحَابِ الصِّلَةِ مِنْ قَوْلِهِ: الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ [النِّسَاء: ١٣٩] عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ، كَأَنَّهُمْ بَعْدَ أَنْ أُجْرِيَتْ عَلَيْهِمُ الصِّلَةُ صَارُوا مُعَيَّنِينَ مَعْرُوفِينَ، فَالْتُفِتَ إِلَيْهِمْ بِالْخِطَابِ، لِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ تِلْكَ الصِّلَةِ، فَلَعَلَّهُمْ أَنْ يُقْلِعُوا عَنْ مُوَالَاةِ الْكَافِرِينَ. وَعَلَيْهِ فَضَمِيرُ الْخِطَابِ لِلْمُنَافِقِينَ، وَضَمَائِرُ الْغَيْبَةِ لِلْكَافِرِينَ، وَالَّذِي نُزِّلَ فِي الْكِتَابِ هُوَ آيَاتٌ نَزَلَتْ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي الْقُرْآنِ: فِي شَأْنِ كُفْرِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ

وَاسْتِهْزَائِهِمْ.

قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّ الَّذِي أُحِيلَ عَلَيْهِ هُنَا هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ [٦٨] الْأَنْعَامِ:

وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ لِأَنَّ شَأْنَ الْكَافِرِينَ يَسْرِي إِلَى الَّذِينَ يَتَّخِذُونَهُمْ أَوْلِيَاءَ، وَالظَّاهِرُ أَنِ الَّذِي أَحَالَ اللَّهُ عَلَيْهِ هُوَ مَا