للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النَّفْسَ إِذَا تَطَرَّقَتْهَا السَّآمَةُ مِنَ الشَّيْءِ دَبَّتْ إِلَيْهَا كَرَاهِيَتُهُ دَبِيبًا حَتَّى تَتَمَكَّنَ مِنْهَا الْكَرَاهِيَةُ، وَلَا خَطَرَ عَلَى النَّفْسِ مِثْلُ أَنْ تَكْرَهَ الْخَيْرَ.

وَ «كُسَالَى» حَالٌ لَازِمَةٌ مِنْ ضَمِيرِ (قامُوا)

، لِأَنَّ قَامُوا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَقَعَ وَحْدَهُ جَوَابًا لِ «إِذَا» الَّتِي شَرْطُهَا «قَامُوا» ، لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ مُجَرَّدًا لَكَانَ الْجَوَابُ عَيْنَ الشَّرْطِ، فَلَزِمَ ذِكْرُ الْحَالِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً [الْفرْقَان: ٧٢] وَقَوْلِ الْأَحْوَصِ الْأَنْصَارِيِّ:

فَإِذَا تَزُولُ تَزُولُ عَنْ مُتَخَمِّطٍ ... تُخْشَى بَوَادِرُهُ عَلَى الأقران

وَجُمْلَة يُراؤُنَ النَّاسَ

حَالٌ ثَانِيَةٌ، أَوْ صِفَةٌ لِ (كُسَالَى) ، أَوْ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ جَوَابِ مَنْ يَسْأَلُ: مَاذَا قَصْدُهُمْ بِهَذَا الْقِيَامِ لِلصَّلَاةِ وَهَلَّا تَرَكُوا هَذَا الْقِيَامَ مِنْ أَصْلِهِ، فَوَقَعَ الْبَيَانُ بِأَنَّهُمْ يُرَاءُونَ بصلاتهم النَّاس. ويُراؤُنَ

فِعْلٌ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ يُرُونَ النَّاسَ صَلَاتَهُمْ وَيُرِيهِمُ النَّاسُ. وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَالْمُفَاعَلَةُ هُنَا لِمُجَرَّدِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْإِرَاءَةِ، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي بَابِ الْمُفَاعَلَةِ.

وَقَوْلُهُ: وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا

مَعْطُوف على يُراؤُنَ

إِن كَانَ يُراؤُنَ

حَالًا أَوْ صِفَةً، وَإِن كَانَ يُراؤُنَ

اسْتِئْنَاف فَجُمْلَةُ وَلا يَذْكُرُونَ

حَالٌ، وَالْوَاوُ وَاوُ الْحَالِ، أَيْ: وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ بِالصَّلَاةِ إِلَّا قَلِيلًا. فَالِاسْتِثْنَاءُ إِمَّا مِنْ أَزْمِنَةِ الذِّكْرِ، أَيْ إِلَّا

وَقْتًا قَلِيلًا، وَهُوَ وَقْتُ حُضُورِهِمْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إِذْ يَقُومُونَ إِلَى الصَّلَاةِ مَعَهُمْ حِينَئِذٍ فَيَذْكُرُونَ اللَّهَ بِالتَّكْبِيرِ وَغَيْرِهِ، وَإِمَّا مِنْ مَصْدَرِ يَذْكُرُونَ

، أَيْ إِلَّا ذِكْرًا قَلِيلًا فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ الَّتِي يُرَاءُونَ بِهَا، وَهُوَ الذِّكْرُ الَّذِي لَا مَنْدُوحَةَ عَنْ تَرْكِهِ مِثْلَ: التَّأْمِينِ، وَقَوْلِ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، وَالتَّكْبِيرِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ لَا يَقُولُونَهُ مِنْ تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ، وَقِرَاءَةِ رَكَعَاتِ السِّرِّ. وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ جُمْلَةَ وَلا يَذْكُرُونَ

مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةِ وَإِذا قامُوا

، فَهِيَ خَبَرٌ عَنْ خِصَالِهِمْ، أَيْ هُمْ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِمْ إِلَّا حَالًا قَلِيلًا أَوْ زَمَنًا قَلِيلًا وَهُوَ الذِّكْرُ الَّذِي لَا يَخْلُو عَنْهُ عَبْدٌ يَحْتَاجُ لِرَبِّهِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، أَيْ أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِثْلَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَيُكْثِرُونَ مِنْ ذِكْرِهِ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَالْآيَةُ أَفَادَتْ عُبُودِيَّتَهُمْ وَكُفْرَهُمْ بِنِعْمَةِ رَبِّهِمْ زِيَادَةً عَلَى كُفْرِهِمْ بِرَسُولِهِ وَقُرْآنِهِ.

ثُمَّ جَاءَ بِحَالٍ تُعَبِّرُ عَنْ جَامِعِ نِفَاقِهِمْ وَهِيَ قَوْلُهُ: مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ وَهُوَ حَالٌ من ضمير يُراؤُنَ.