الَّذِينَ يَخافُونَ- إِلَى قَوْلِهِ- ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فِي سُورَةِ الْعُقُودِ [٢٣] وَتَحْرِيمُ صَيْدِ الْبَحْرِ عَلَيْهِمْ فِي السَّبْتِ. وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَيْهَا جَمِيعًا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
وَأَخْذُ الْمِيثَاقِ عَلَيْهِمْ: الْمُرَادُ بِهِ الْعَهْدُ، وَوَصْفُهُ بِالْغَلِيظِ. أَيِ الْقَوِيِّ، وَالْغِلَظُ مِنْ صِفَاتِ الْأَجْسَامِ، فَاسْتُعِيرَ لِقُوَّةِ الْمَعْنَى وَكَنَّى بِهِ عَنْ تَوَثُّقِ الْعَهْدِ لِأَنَّ الْغِلَظَ يَسْتَلْزِمُ الْقُوَّةَ، وَالْمُرَادُ جِنْسُ الْمِيثَاقِ الصَّادِقِ بِالْعُهُودِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أُخِذَتْ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ ذُكِرَ أَكْثَرُهَا فِي آيِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا إِظْهَارُ تَأَصُّلِهِمْ فِي اللَّجَاجِ وَالْعِنَادِ، مِنْ عَهْدِ أَنْبِيَائِهِمْ، تَسْلِيَةً لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا لَقِيَ مِنْهُمْ، وَتَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ: فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ [النِّسَاء: ١٥٥] .
وَقَوْلُهُ: لَا تَعْدُوا قَرَأَهُ نَافِعٌ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ، وَهِيَ لِوَرْشٍ عَنْهُ وَلِقَالُونَ فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْهِ عَنْهُ- بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِّ الْمَضْمُومَةِ- أَصْلُهُ: لَا تَعْتَدُوا، وَالِاعْتِدَاءُ افْتِعَالٌ مِنَ الْعَدْوِ، يُقَالُ: اعْتَدَى عَلَى فُلَانٍ، أَيْ تَجَاوَزَ حَدَّ الْحَقِّ مَعَهُ، فَلَمَّا كَانَتِ التَّاءُ قَرِيبَةً مِنْ مَخْرَجِ الدَّالِ وَوَقَعَتْ مُتَحَرِّكَةً وَقَبْلَهَا سَاكِنٌ، تَهَيَّأَ إِدْغَامُهَا، فَنُقِلَتْ حَرَكَتُهَا إِلَى الْعَيْنِ السَّاكِنَةِ قَبْلَهَا، وَأُدْغِمَتْ فِي الدَّالِ إِدْغَامًا لِقَصْدِ التَّخْفِيفِ، وَلِذَلِكَ جَازَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِظْهَارُهَا فَقَالُوا: تَعْتَدُوا وَتَعَدُّوا، لِأَنَّهَا وَقَعَتْ قَبْلَ الدَّالِ، فَكَانَتْ غَيْرَ مَجْذُوبَةٍ إِلَى مَخْرَجِهِ، وَلَوْ وَقَعَتْ بَعْدَ الدَّالِ لَوَجَبَ إِدْغَامُهَا فِي نَحْوِ أَدَّانَ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ، وَقَالُونُ فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْنِ عَنْهُ: «لَا تَعْدُوا» - بِسُكُونِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ- مُضَارِعٌ مَجْزُومٌ مِنَ الْعَدْوِ، وَهُوَ الْعُدْوَانُ، كَقَوْلِهِ: إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [١٦٣] وَفِي إِحْدَى رِوَايَتَيْنِ عَنْ قَالُونَ:- بِاخْتِلَاسِ الْفَتْحَةِ-، وَقَرَأَهُ أَبُو جَعْفَرٍ:- بِسُكُونِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ-، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ نَافِعٍ أَيْضًا، رَوَاهَا ابْنُ مُجَاهِدٍ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ، فِي «الْحُجَّةِ» : وَكَثِيرٌ مِنَ
النَّحْوِيِّينَ يُنْكِرُونَ الْجَمْعَ بَين الساكنين إِذْ كَانَ الثَّانِي مِنْهُمَا مُدْغَمًا وَلَمْ يَكُنِ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا حَرْفَ لِينٍ، نَحْوَ دَابَّةٍ، يَقُولُونَ: الْمَدُّ يَصِيرُ عِوَضًا عَنِ الْحَرَكَةِ، قَالَ: وَإِذَا جَازَ نَحْوُ دُوَيْبَّةٍ مَعَ نُقْصَانِ الْمَدِّ الَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute