للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(١٦٥)

اسْتَأْنَفَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ الرَّدَّ عَلَى سُؤَالِ الْيَهُودِ أَنْ يُنْزِلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ، بَعْدَ أَنْ حُمِقُوا فِي ذَلِكَ بِتَحْمِيقِ أَسْلَافِهِمْ: بِقَوْلِهِ: فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ [النِّسَاء: ١٥٣] ، وَاسْتُطْرِدَتْ بَيْنَهُمَا جُمَلٌ مِنْ مُخَالَفَةِ أَسْلَافِهِمْ، وَمَا نَالَهُمْ مِنْ جَرَّاءِ ذَلِكَ، فَأَقْبَلَ الْآنَ عَلَى بَيَانِ أَنَّ إِنْزَالَ الْقُرْآنِ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ بِدَعًا، فَإِنَّهُ شَأْنُ الْوَحْيِ لِلرُّسُلِ، فَلَمْ يُقْدَحْ فِي رِسَالَتِهِمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُنَزَّلْ عَلَيْهِمْ كِتَابٌ مِنَ السَّمَاءِ.

وَالتَّأْكِيدُ (بِإِنَّ) لِلِاهْتِمَامِ بِهَذَا الْخَبَرِ أَوْ لِتَنْزِيلِ الْمَرْدُودِ عَلَيْهِمْ مَنْزِلَةَ مَنْ يُنْكِرُ كَيْفِيَّةَ الْوَحْيِ لِلرُّسُلِ غَيْرِ مُوسَى، إِذْ لَمْ يَجْرُوا عَلَى مُوجَبِ عِلْمِهِمْ حَتَّى أَنْكَرُوا رِسَالَةَ رَسُولٍ لَمْ يُنْزَلْ إِلَيْهِ كِتَابٌ مِنَ السَّمَاءِ.

وَالْوَحْيُ إِفَادَةُ الْمَقْصُودِ بِطَرِيقٍ غَيْرِ الْكَلَامِ، مِثْلَ الْإِشَارَةِ قَالَ تَعَالَى: فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا [مَرْيَم: ١١] . وَقَالَ دَاوُود بْنُ جَرِيرٍ:

يَرْمُونَ بِالْخُطَبِ الطِّوَالِ وَتَارَةً ... وَحْيُ اللَّوَاحِظِ خِيفَةَ الرُّقَبَاءِ

وَالتَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِ: كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ تَشْبِيهٌ بِجِنْسِ الْوَحْيِ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهُ، فَإِنَّ الْوَحْيَ إِلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْوَحْيِ وَرَدَ بَيَانُهَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سُؤَالِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ- بِخِلَافِ الْوَحْيِ إِلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ

سَمَّاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ بَعْضٌ مِنَ الْأَنْوَاعِ، عَلَى أَنَّ الْوَحْيَ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنْهُ الْكِتَابُ الْقُرْآنُ وَلَمْ يَكُنْ لِبَعْضِ مَنْ ذُكِرَ مَعَهُ كِتَابٌ. وَعَدَّ اللَّهُ هُنَا جَمْعًا مِنَ النَّبِيئِينَ وَالْمُرْسَلِينَ وَذَكَرَ أَنَّهُ أَوْحَى إِلَيْهِمْ وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ الرُّسُلَ وَالْأَنْبِيَاءَ يُوحَى إِلَيْهِمْ.