للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِيَكُونَ تَذْيِيلًا وَتَأْكِيدًا لِمَا سَبَقَهُ، إِذْ قَدْ تَهَيَّأَ مِنَ الْقَوَارِعِ السَّالِفَةِ مَا قَامَتْ بِهِ الْحُجَّةُ، وَاتَّسَعَتِ الْمَحَجَّةُ، فَكَانَ الْمَقَامُ لِلْأَمْرِ بِاتِّبَاعِ الرَّسُولِ وَالْإِيمَانِ. وَكَذَلِكَ شَأْنُ الْخَطِيبِ إِذَا تَهَيَّأَتِ الْأَسْمَاعُ، وَلَانَتِ الطِّبَاعُ.

وَيُسَمَّى هَذَا بِالْمَقْصِدِ مِنَ الْخِطَابِ، وَمَا يَتَقَدَّمُهُ بِالْمُقَدِّمَةِ. عَلَى أنّ الْخطاب بيا أَيُّهَا النَّاسُ يَعْنِي خُصُوصَ الْمُشْرِكِينَ فِي الْغَالِبِ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ: فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ.

وَالتَّعْرِيفُ فِي الرَّسُولُ لِلْعَهْدِ، وَهُوَ الْمَعْهُودُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ. (والحقّ) هُوَ الشَّرِيعَةُ وَالْقُرْآنُ، ومِنْ رَبِّكُمْ مُتَعَلِّقٌ بِ جاءَكُمُ، أَوْ صِفَةٌ لِلْحَقِّ، وَ (مِنْ) لِلِابْتِدَاءِ الْمَجَازِيِّ فِيهِمَا، وَتَعْدِيَةُ جَاءَ إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ تَرْغِيبٌ لَهُمْ فِي الْإِيمَانِ لِأَنَّ الَّذِي يَجِيءُ مُهْتَمًّا بِنَاسٍ يَكُونُ حَقًّا عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَّبِعُوهُ، وَأَيْضًا فِي طَرِيقِ الْإِضَافَةِ مِنْ قَوْلِهِ رَبِّكُمْ تَرْغِيبٌ ثَانٍ لِمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ مِنِ اخْتِصَاصِهِمْ بِهَذَا الدِّينِ الَّذِي هُوَ آتٍ مِنْ رَبِّهِمْ، فَلِذَلِكَ أُتِيَ بِالْأَمْرِ

بِالْإِيمَانِ مُفَرَّعًا عَلَى هَاتِهِ الْجُمَلِ بِقَوْلِهِ: فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ.

وَانْتَصَبَ خَيْراً عَلَى تَعَلُّقِهِ بِمَحْذُوفٍ لَازِمِ الْحَذْفِ فِي كَلَامِهِمْ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، فَجَرَى مَجْرَى الْأَمْثَالِ، وَذَلِكَ فِيمَا دَلَّ عَلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مِنَ الْكَلَامِ نَحْوَ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ [النِّسَاء: ١٧١] ، وَوَرَاءَكَ أَوْسَعَ لَكَ، أَيْ تَأَخَّرْ، وَحَسْبُكَ خَيْرًا لَكَ، وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ:

فَوَاعِدِيهِ سَرْحَتَيْ مَالِكٍ ... أَوِ الرُّبَى بَيْنَهُمَا. أَسْهَلَا

فَنَصْبُهُ مِمَّا لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ عَنِ الْعَرَبِ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ أَئِمَّةُ النَّحْوِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْمَحْذُوفِ: فَجَعَلَهُ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ فِعْلًا أَمْرًا مَدْلُولًا عَلَيْهِ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ، تَقْدِيرُهُ: ايْتِ أَوِ اقْصِدْ، قَالَا: لِأَنَّكَ لَمَّا قُلْتَ لَهُ: انْتَهِ، أَوِ افْعَلْ، أَوْ حَسْبُكَ، فَأَنْتَ تَحْمِلُهُ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ أَفْضَلَ لَهُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ مِنَ الْكُوفِيِّينَ: هُوَ فِي مِثْلِهِ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، وَهُوَ لَا يَتَأَتَّى فِيمَا كَانَ مُنْتَصِبًا بَعْدَ نَهْيٍ، وَلَا فِيمَا كَانَ مُنْتَصِبًا بَعْدَ غَيْرِ مُتَصَرِّفٍ، نَحْوَ: وَرَاءَكَ وَحَسْبُكَ.

وَقَالَ الْكِسَائِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ: نُصِبَ بِكَانَ مَحْذُوفَةٍ مَعَ خَبَرِهَا، وَالتَّقْدِيرُ: يَكُنْ خَيْرًا. وَعِنْدِي:

أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى