للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [الْأَنْعَام: ١٤٥] . فَذَكَرَ أَرْبَعَةً لَا تَعْمَلُ الذَّكَاةُ فِيهَا شَيْئًا وَلَمْ يَذْكُرِ الْمُنْخَنِقَةَ وَالْمَوْقُوذَةَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا هُنَا، لِأَنَّهَا تُحَرَّمُ فِي حَالِ اتِّصَالِ الْمَوْتِ بِالسَّبَبِ لَا مُطْلَقًا. فَعَضُّوا عَلَى هَذَا بِالنَّوَاجِذِ.

وَلِلْفُقَهَاءِ فِي ضَبْطِ الْحَالَةِ الَّتِي تَعْمَلُ فِيهَا الذَّكَاةُ فِي هَاتِهِ الْخَمْسِ عِبَارَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ:

فَالْجُمْهُورُ ذَهَبُوا إِلَى تَحْدِيدِهَا بِأَنْ يَبْقَى فِي الْحَيَوَانِ رَمَقٌ وَعَلَامَةُ حَيَاةٍ، قَبْلَ الذَّبْحِ أَوِ النَّحْرِ، مِنْ تَحْرِيكِ عُضْوٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ فَمٍ تَحْرِيكًا يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ عُرْفًا، وَلَيْسَ هُوَ تَحْرِيكُ

انْطِلَاقِ الْمَوْتِ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي «الْمُوَطَّأِ» ، وَرِوَايَةُ جُمْهُورِ أَصْحَابِهِ عَنْهُ. وَعَنْ مَالِكٍ:

أَنَّ الْمَذْكُورَاتِ إِذَا بَلَغَتْ مَبْلَغًا أُنْفِذَتْ مَعَهُ مَقَاتِلُهَا، بِحَيْثُ لَا تُرْجَى حَيَاتُهَا لَوْ تُرِكَتْ بِلَا ذَكَاةٍ، لَا تَصِحُّ ذَكَاتُهَا، فَإِنْ لَمْ تَنْفُذْ مَقَاتِلُهَا عَمِلَتْ فِيهَا الذَّكَاةُ. وَهَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ. وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ قَالُوا: إِنَّمَا يُنْظَرُ عِنْدَ الذَّبْحِ أَحَيَّةٌ هِيَ أَمْ مَيْتَةٌ، وَلَا يُنْظَرُ إِلَى حَالَةِ هَلْ يَعِيشُ مِثْلُهَا لَوْ تُرِكَتْ دُونَ ذَبْحٍ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَأَحَدُ قَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ. وَنَفْسُ الِاسْتِثْنَاءِ الْوَاقِعِ فِي الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ رَخَّصَ فِي حَالَةٍ هِيَ مَحَلُّ تَوَقُّفٍ فِي إِعْمَالِ الذَّكَاةِ، أَمَّا إِذَا لَمْ تُنْفَذِ الْمَقَاتِلُ فَلَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ يُبَاحُ الْأَكْلُ، إِذْ هُوَ حِينَئِذٍ حَيَوَانٌ مَرْضُوضٌ أَوْ مَجْرُوحٌ، فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى الْإِعْلَامِ بِإِبَاحَةِ أَكْلِهِ بِذَكَاةٍ، إِلَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ هُنَا مُنْقَطِعٌ بِمَعْنَى لَكِنْ، أَيْ لَكِنْ كُلُوا مَا ذَكَّيْتُمْ دُونَ الْمَذْكُورَاتِ، وَهُوَ بَعِيدٌ. وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ جَعَلَ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ قَوْلِهِ: وَما أَكَلَ السَّبُعُ عَلَى رَأْيِ مَنْ يَجْعَلُ الِاسْتِثْنَاءَ لِلْأَخِيرَةِ، وَلَا وَجْهَ لَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ نَاظِرًا إِلَى غَلَبَةِ هَذَا الصِّنْفِ بَيْنَ الْعَرَبِ، فَقَدْ كَانَتِ السِّبَاعُ وَالذِّئَابُ تَنْتَابُهُمْ كَثِيرًا، وَيَكْثُرُ أَنْ يُلْحِقُوهَا فَتُتْرَكُ أَكَيْلَتُهَا فَيُدْرِكُوهَا بِالذَّكَاةِ.

وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ هُوَ مَا كَانُوا يَذْبَحُونَهُ مِنَ الْقَرَابِينِ وَالنُّشُرَاتِ فَوْقَ الْأَنْصَابِ. وَالنُّصُبُ- بِضَمَّتَيْنِ- الْحَجَرُ الْمَنْصُوبُ، فَهُوَ مُفْرَدٌ مُرَادٌ بِهِ