وَقَالَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نفَيْل للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ، وَقَدْ عَرَضَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ سُفْرَةً لِيَأْكُلَ مَعَهُ فِي عُكَاظٍ: إِنِّي لَا آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ. وَفِي حَدِيثِ فَتْحِ مَكَّةَ:
كَانَ حَوْلَ الْبَيْتِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَنَيِّفٍ وَسِتُّونَ نُصُبًا، وَكَانُوا إِذَا ذَبَحُوا عَلَيْهَا رَشُّوهَا بِالدَّمِ ورشّوا الْكَعْبَة بدمائهم. وَقَدْ كَانَ فِي الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ تَخْصِيصُ صُخُورٍ لِذَبْحِ الْقَرَابِينِ عَلَيْهَا، تَمْيِيزًا بَيْنَ مَا ذُبِحَ تَدَيُّنًا وَبَيْنَ مَا ذُبِحَ لِلْأَكْلِ، فَمِنْ ذَلِكَ صَخْرَةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قِيلَ: إِنَّهَا مِنْ عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ وَتَحْتَهَا جُبٌّ يُعَبَّرُ عَنْهَا بِبِئْرِ الْأَرْوَاحِ، لِأَنَّهَا تَسْقُطُ فِيهَا الدِّمَاءُ، وَالدَّمُ يُسَمَّى رُوحًا.
وَمِنْ ذَلِكَ فِيمَا قِيلَ: الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ بَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ فِي جُدُرِ الْكَعْبَةِ.
وَمِنْهَا حَجَرُ الْمَقَامِ، فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ. فَلَمَّا اخْتَلَطَتِ الْعَقَائِدُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ جَعَلُوا هَذِهِ الْمَذَابِحَ لِذَبْحِ الْقَرَابِينِ الْمُتَقَرَّبِ بِهَا لِلْآلِهَةِ وَلِلْجِنِّ. وَفِي «الْبُخَارِيِّ» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
النُّصُبُ: أَنْصَابٌ يَذْبَحُونَ عَلَيْهَا. قُلْتُ: وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ بِحَرْفِ (عَلَى) ، وَلَمْ يَقِلْ وَمَا ذُبِحَ لِلنُّصُبِ لِأَنَّ الذَّبِيحَةَ تُقْصَدُ لِلْأَصْنَامِ وَالْجِنِّ، وَتُذْبَحُ عَلَى الْأَنْصَابِ، فَصَارَتِ الْأَنْصَابُ مِنْ شَعَائِرِ الشِّرْكِ.
وَوَجْهُ عَطْفِ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ عَلَى الْمُحَرَّمَاتِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا، مَعَ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ أَنْ مَضَتْ سِنِينَ كَثِيرَةً عَلَى الْإِسْلَامِ وَقَدْ هَجَرَ الْمُسْلِمُونَ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ، أَنَّ فِي الْمُسْلِمِينَ كَثِيرِينَ كَانُوا قَرِيبِي عَهْدٍ بِالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ، وَهُمْ وَإِنْ كَانُوا يَعْلَمُونَ بُطْلَانَ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، أَوَّلُ مَا يَعْلَمُونَهُ مِنْ عَقِيدَةِ الْإِسْلَامِ، فَقَدْ كَانُوا مَعَ ذَلِكَ مُدَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَخْتَصُّ الذَّبْحُ عَلَى النُّصُبِ عِنْدَهُمْ بِذَبَائِحِ الْأَصْنَامِ خَاصَّةً، بَلْ يَكُونُ فِي ذَبَائِحِ الْجِنِّ وَنَحْوِهَا مِنَ النُّشُرَاتِ وَذَبَائِحِ دَفْعِ الْأَمْرَاضِ وَدَفْعِ التَّابِعَةِ عَنْ وِلْدَانِهِمْ، فَقَالُوا: كَانُوا يَسْتَدْفِعُونَ بِذَلِكَ عَنْ أَنْفُسِهِمُ الْبَرَصَ وَالْجُذَامَ وَمَسَّ الْجِنِّ، وَبِخَاصَّةٍ الصِّبْيَانَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا وَرَدَ فِي كُتُبِ السِّيرَةِ: أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ لَمَّا أَسْلَمَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ وَدَعَا امْرَأَتَهُ إِلَى الْإِسْلَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute