للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهِيَ نِعْمَةُ النَّصْرِ، وَالْأُخُوَّةِ، وَمَا نَالُوهُ مِنَ الْمَغَانِمِ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا إِكْمَالُ الدِّينِ، فَهُوَ عَطْفٌ عَامٌّ عَلَى خَاصٍّ. وَجَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ النِّعْمَةِ الدِّينَ، وَإِتْمَامُهَا هُوَ إِكْمَالُ الدِّينِ، فَيَكُونُ مُفَادُ الْجُمْلَتَيْنِ وَاحِدًا، وَيَكُونُ الْعَطْفُ لِمُجَرَّدِ الْمُغَايَرَةِ فِي صِفَاتِ الذَّاتِ، لِيُفِيدَ أَنَّ الدِّينَ نِعْمَةٌ وَأَنَّ إِكْمَالَهُ إِتْمَامٌ لِلنِّعْمَةِ فَهَذَا الْعَطْفُ كَالَّذِي فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ أَنْشَدَهُ الْفَرَّاءُ فِي «مَعَانِي الْقُرْآنِ» :

إِلَى الْمَلِكِ الْقَرَمِ وَابْنِ الْهُمَا ... مِ وَلَيْثِ الْكَتِيبَةِ فِي الْمُزْدَحَمْ

وَقَوْلُهُ: وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً الرِّضَى بِالشَّيْءِ الرُّكُونُ إِلَيْهِ وَعَدَمُ النَّفْرَةِ مِنْهُ، وَيُقَابِلُهُ السُّخْطُ: فَقَدْ يَرْضَى أَحَدٌ شَيْئًا لِنَفْسِهِ فَيَقُولُ: رَضِيتُ بِكَذَا، وَقَدْ يَرْضَى شَيْئًا لِغَيْرِهِ، فَهُوَ بِمَعْنَى اخْتِيَارِهِ لَهُ، وَاعْتِقَادِهِ مُنَاسَبَتِهِ لَهُ، فَيُعَدَّى بِاللَّامِ: لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ رِضَاهُ لِأَجْلِ غَيْرِهِ، كَمَا تَقُولُ: اعْتَذَرْتُ لَهُ.

وَفِي الْحَدِيثِ «إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا»

، وَكَذَلِكَ هُنَا، فَلِذَلِكَ ذَكَرَ قَوْلَهُ: لَكُمْ وَعُدِّيَ رَضِيتُ إِلَى الْإِسْلَامِ بِدُونِ الْبَاءِ. وَظَاهِرُ تَنَاسُقِ الْمَعْطُوفَاتِ: أَنَّ جُمْلَةَ رَضِيتُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجُمْلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهَا، وَأَنَّ تَعَلُّقَ الظَّرْفِ بِالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ الْأَوَّلِ سَارَ إِلَى الْمَعْطُوفَيْنِ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا الْيَوْمَ. وَإِذْ قَدْ كَانَ رِضَى الْإِسْلَامِ دِينًا لِلْمُسْلِمِينَ ثَابِتًا فِي عِلْمِ اللَّهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَقَبْلَهُ، تَعَيَّنَ التَّأْوِيلُ فِي تَعْلِيقِ ذَلِكَ الظَّرْفِ بِ رَضِيتُ فَتَأَوَّلَهُ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» بِأَنَّ الْمَعْنَى: آذَنْتُكُمْ بِذَلِكَ فِي هَذَا الْيَوْمِ، أَيْ أَعْلَمْتُكُمْ: يَعْنِي أَيْ هَذَا التَّأْوِيلُ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ الْيَوْمَ، لِأَنَّ الَّذِي حَصَلَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ هُوَ إِعْلَانُ ذَلِكَ، وَالْإِيذَانُ بِهِ، لَا حُصُولَ رِضَى اللَّهِ بِهِ دِينًا لَهُمْ يَوْمَئِذٍ، لِأَنَّ الرِّضَى بِهِ حَاصِلٌ مِنْ قَبْلُ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ سَابِقَةٌ لِهَذِهِ الْآيَةِ. فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ «رَضِيتُ» مَجَازٌ فِي مَعْنَى «أَذَنْتُ» لِعَدَمِ اسْتِقَامَةِ ذَلِكَ: لِأَنَّهُ يَزُولُ مِنْهُ مَعْنَى اخْتِيَارِ الْإِسْلَامِ لَهُمْ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ، وَلِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلتَّعَدِّي إِلَى قَوْلِهِ: الْإِسْلامَ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَدَلَالَةُ الْخَبَرِ عَلَى مَعْنَى الْإِيذَانِ مِنْ دَلَالَتِهِ عَلَى لَازِمٍ مِنْ لَوَازِمِ مَعْنَاهُ بِالْقَرِينَةِ الْمُعَيَّنَةِ، فَيَكُونُ مِنَ الْكِنَايَةِ فِي التَّرْكِيبِ. وَلَوْ شَاءَ أَحَدٌ أَنْ يَجْعَلَ