مِنْ فُهُودٍ وَبُزَاةٍ. وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ، حَكَى عَنْهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّهُ قَصَرَ إِبَاحَةَ أَكْلِ مَا قَتَلَهُ الْجَارِحُ عَلَى صَيْدِ الْكِلَابِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: مُكَلِّبِينَ قَالَ: فَأَمَّا مَا يُصَادُ بِهِ مِنَ الْبُزَاةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الطَّيْرِ فَمَا أَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَذَكِّهِ فَهُوَ لَكَ حَلَالٌ وَإِلَّا فَلَا تَطْعَمْهُ. وَهَذَا أَيْضًا قَوْلُ الضَّحَّاكِ وَالسُّدِّيِّ.
فَأَمَّا الْكِلَابُ فَلَا خِلَافَ فِي إِبَاحَةِ عُمُومِ صَيْدِ الْمُعَلَّمَاتِ مِنْهَا، إِلَّا مَا شَذَّ مِنْ قَوْلِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالنَّخَعِيِّ بِكَرَاهَةِ صَيْدِ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ، أَيْ عَامُّ السَّوَادِ، مُحْتَجِّينَ
بقول النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
، وَهُوَ احْتِجَاجٌ ضَعِيفٌ، مَعَ أَنَّ النَّبِيءَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- سَمَّاهُ كَلْبًا، وَهَلْ يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ شَيْطَانًا أَنَّهُ مَظَنَّةٌ لِلْعَقْرِ وَسُوءِ الطَّبْعِ. عَلَى أَنَّ مَوْرِدَ الْحَدِيثِ فِي أَنَّهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ إِذَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي. عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مُتَأَوَّلٌ. وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: مَا أَعْرِفُ أَحَدًا يُرَخِّصُ فِيهِ (أَيْ فِي أَكْلِ صَيْدِهِ) إِذَا كَانَ بَهِيمًا، وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَكَيْفَ يَصْنَعُ بِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.
وَقَوْلُهُ: تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ حَالٌ ثَانِيَةٌ، قُصِدَ بِهَا الِامْتِنَانُ وَالْعِبْرَةُ وَالْمَوَاهِبُ الَّتِي أَوْدَعَهَا اللَّهُ فِي الْإِنْسَانِ، إِذْ جَعَلَهُ مُعَلَّمًا بِالْجِبِلَّةِ مِنْ يَوْمِ قَالَ: يَآ آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ [الْبَقَرَة: ٣٣] ، وَالْمَوَاهِبُ الَّتِي أَوْدَعَهَا اللَّهُ فِي بَعْضِ الْحَيَوَانِ، إِذْ جَعَلَهُ قَابِلًا لِلتَّعَلُّمِ. فَبِاعْتِبَارِ كَوْنِ مُفَادِ هَذِهِ الْحَالِ هُوَ مُفَادُ عَامِلِهَا تَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْحَالِ الْمُؤَكِّدَةِ، وَبِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا تَضَمَّنَتْ مَعْنَى الِامْتِنَانِ فَهِيَ مُؤَسَّسَةٌ. قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» «وَفِي تَكْرِيرِ الْحَالِ فَائِدَةٌ أَنَّ عَلَى كُلِّ آخِذٍ عِلْمًا أَنْ لَا يَأْخُذَهُ إِلَّا مِنْ أَقْتَلِ أَهْلِهِ عِلْمًا وَأَنْحَرِهِمْ دِرَايَةً وَأَغْوَصِهِمْ عَلَى لَطَائِفِهِ وَحَقَائِقِهِ وَإِنِ احْتَاجَ إِلَى أَنْ يَضْرِبَ إِلَيْهِ أَكْبَادَ الْإِبِلِ، فَكَمْ مِنْ آخِذٍ عَنْ غَيْرِ مُتْقِنٍ قَدْ ضَيَّعَ أَيَّامَهُ وَعَضَّ عِنْدَ لِقَاءِ النَّحَارِيرِ أَنَامِلَهُ» . اه.
وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: «فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ» فَاء الفصيحة فِي قَوْلِهِ: وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ إِنْ جَعَلْتَ (مَا) مِنْ قَوْلِهِ وَما عَلَّمْتُمْ مَوْصُولَةً، فَإِنْ جَعَلَتْهَا شُرْطِيَّةً فَالْفَاءُ رَابِطَةٌ لِلْجَوَابِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute